فانظر ما أشد شفقته صلى الله عليه وسلم على أهل بيته ، ويقاس بأهل بيته غيرهم ، فوالله لو علم الإنسان قدر مقام الفقر لتمناه ليلا ونهارا . وقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه : ما فزعت نفسي من الفقر قط ، أي بل تنشرح له إذا أقبل وتنقبض إذا أدبر ، هذا مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه فما بالكم يا مقلدون له لا تفرحون بما كان يفرح به ، ولا تنقبضون مما كان ينقبض له ؟ فإن قلتم لا نقدر على اتباعه في ذلك ، قلنا لكم اطلبوا لكم شيخا يوصلكم إلى أتباعه ، فإن هذه الدرجة التي ذكرها الإمام هي أول درجات أهل الطريق ، فمن شدة محبة المريد للطريق أول دخوله لها أنه يصير يكره الدنيا بالطبع وينقبض لدخولها في يده لعلمه بأنه ليس له قدرة على نية صالحه في إمساكها ولا إنفاقها ؟ ؟ ، ثم إذا من الله تعالى عليه بالكمال في الطريق وصارت الدنيا في يده لا في قلبه يتمنى دخولها في يده وينقبض إذا أدبرت عنه ، لأن من كمال الداعي إلى الله تعالى من الأمة أن تكون الدنيا فائضة عليه ليطعم منها أتباعه وينفق عليهم منها ، ومن لم يكن كذلك فدعاؤه إلى الله ناقص ويطرقه الذل في طلب اللقمة والخضوع لمن أتاه بها من أصحابه وغيرهم ، كما أن من لازمه الغيبة لكل من لم يحسن إليه كما سيأتي في حديث : من كثرت عياله ولم يغتب المسلمين الحديث . فأشار إلى أن الغالب على الفقير المحتاج غيبة من لم يعطه ما احتاج إليه ، فانظر آفة المحتاج . وكذلك القول في الداعي إلى الله تعالى إذا كان فقيرا فإن الغالب على مريديه معه تلفتهم إلى غيره ليطعمهم ويكفيهم مؤونتهم ، هذا أمر قهري على كل إنسان محتاج ، فما أمر الأشياخ مريديهم بترك الدنيا إلا لما يحصل لهم من الشغل بها ، وأيضا فليس لهم اتباع حتى يمسكونها لهم . فانظر ما أكمل نظر أهل الطريق ، وما ذكرت لك شيئا حتى ذقته في نفسي ، فإني كنت أكره الدنيا بالطبع فلما خرجت محبتها من قلبي ولله الحمد صرت أود أن لو كان عندي كل يوم ألف إردب ذهبا أنفقتها على خلق الله تعالى ، فالحمد لله رب العالمين ، ونرجو من فضل الله تعالى أن يعطينا في الآخرة ثواب من تصدق كل يوم أو ساعة بألف إردب ذهبا :