وسمعت مرة أخرى يقول : إذا نازعتك نفسك في إظهار عورة مسلم فقل لها انظري ثمرة ذلك ، فإنك إذا أظهرتيها للناس لا بد من إظهار جميع زلاتك على رؤوس الأشهاد يوم القيامة حتى تفتضحي بحضرة من كان يعتقد فيك الصلاح في الدنيا ، فربما أن النفس تكتم ما رأت ، وليتأمل الذي يظهر عورات الناس بعينه يجد نفسه أغضب الله ، وتعرض للهتيكة ولا يعطيه الناس لأجل ذلك شيئا ، إنما ذلك رفث ومقت وفسوق لا غير نسأل الله تعالى العافية . وبالجملة فلا يتجسس على العورات إلا فاسق ، فإن القلب المطهر من السوء لا يظن في الناس إلا خيرا . ورأي سيدي مدين فقيرا تجسس على فقيرا دخل الخلوة بشاب أمرد فأخرج الشيخ ذلك المتجسس من الزاوية وقال : لولا أنك من أهل السوء ما ظننت السوء ، فقال : يا سيدي التوبة فقبل الشيخ توبته وأمره بأن يعامل إخوانه معاملة من يسئ بهم الظن من غير سوء ظن وأمر المتهومين بتحمل الأذى من جميع الناس وقال لهما : من سلك مسلك التهم فلا يلومن من أساء به الظن فعلم أن كل من اشتكى أحدا أذاه من بيت حاكم فليس له في طريق أهل الله نصيب . فاستر يا أخي إخوانك إن طلبت أن تخرج من الدنيا مستورا . * ( والله غفور رحيم ) * . وروى مسلم وأبو داود واللفظ له ، والترمذي وحسنه النسائي وابن ماجة مرفوعا : " " من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " " . وفي رواية لمسلم مرفوعا : " " لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة " " . وروى الطبراني مرفوعا : " " لا يرى مؤمن من أخيه عورة فيسترها عليه إلا أدخله الله بها الجنة " " . وروى أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد أن أبا الهيثم كاتب عقبة بن عامر قال لعقبة : " " إن لنا جيرانا يشربون الخمر ، وأنا داع الشرط ليأخذوهم ، قال : لا تفعل وعظهم وهددهم ، فقال : إني نهيتهم فلم ينتهوا وأنا داع