للقلب حتى يتأهل لرؤية ربه عز وجل في تلك الليلة وأظن غالب كبراء الزمان فضلا عن غيرهم غارقين فيما ذكرناه فيمضي عليهم شهر رمضان ، وقد زاد قلبهم ظلمة بأكل الشهوات والنوم . وقد كان المؤمن في الزمن الماضي لا يخرج من صوم رمضان إلا وهو يكاشف الناس بما في سرائرهم لشدة الصفاء الذي حصل عنده من توالي الطاعات وعد المخالفات . وسمعت الشيخ إبراهيم عصفور المجذوب رضي الله عنه يقول : والله إن صوم هؤلاء المسلمين باطل لأكلهم عند الإفطار اللحم والحلاوات والشهوات ، وما عندي صوم إلا صوم القوم الذين يفطرون على زيت أو خل ونحو ذلك ، وكان الناس لا يهتدون لمعاني إشاراته لكونه مجذوبا وكنت أنا أفهم معاني كلامه وإشاراته وتوبيخاته كأنه يقول المسلمون لا ينبغي لهم في رمضان إلا الجوع الشديد . وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول : من أدب المؤمن إذا أفطر عنده الصائمون أن لا يشبعهم الشبع العادي وإنما يشبعهم شبع السنة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه . قال أهل اللغة : واللقيمات جمع لقمة من الثلاث إلى التسعة ، فمتى أخرج الإنسان لمن أفطر عنده أكثر من تسع لقيمات فقد أساء في حقه ، ولا بقي له أجر إفطاره بما حصل له من تعدي السنة ، وهذا الأمر لا يفعله إلا من خرج عن حكم الطبع ومعاملة المخلوقين إلى قضاء الشريعة ، ومعاملة الله وحده حتى صار يشفق على دين أخيه المسلم أكثر مما يشفق هو على نفسه ، وعلامات خروجك من حكم الطبع أن لا تتأثر من ذمه فيك بين الأعداء إن لم تشبعه ، لأن حكم يتعدى السنة مع العارف كحكم الطفل على حد سواء والطفل لا يجاب إلى كل ما اشتهت نفسه : وكان سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه يخرج للصائمين أقل من عادتهم في الإفطار فاشتكوا النقيب له فقال إن شكوتم منه في الدنيا فسوف تشكرونه في الآخرة ، ومن وصية سيدي علي الخواص رحمه الله : إياك أن تخرج للضيف في رمضان كشيخ العرب أو غيره فوق رغيف خوفا أن يتكدر منك إن لم تشبعه ، فإنه لو كشف له عن صنيعك معه لقبل رجليك ، وقال جزاك الله عني خيرا الذي لم تعطي نفسي الخبيثة حظها من شهواتها ، وسعيت في كمال صومها .