قلت : وممن أدركته على هذا القدم الشيخ عبد الحليم بن مصلح ببلاد المنزلة غربي دمياط وسيدي محمد بن المنير المدفون بخارج الخانقاه السرياقوسية ، والشيخ محمد الشناوي رضي الله تعالى عنهم ، فرأيت الشيخ عبد الحليم وقد لقيه شخص وهو ذاهب إلى صلاة الجمعة فقال أعطني هذه الثياب ، فأعطاها له ولم يرجع إلى البيت ، وصلى بفوطة حمامي في وسطه . ورأيت الشيخ محمد بن منير أعطى شخصا في طريق الحجاز ماتت جماله خمسمائة دينار ، فلما وصل الرجل إلى مكة أتى بها ، فقال له ما أعطيتها لك إلا لله ولم يكن له به معرفة قبل ذلك . وأما الشيخ محمد الشناوي فلا يحصى ما أعطاه للناس من البهائم والخيل والغنم والقمح والنقود والثياب ، وكان يصرح ويقول : جميع ما يدخل يدي من الدنيا ليس هو خاص بي ، وإنما أراه مشتركا بيني وبين المحتاجين ، فكل من كان أحوج قدم مني أو منهم ، وقد من الله تعالى علي بذلك فلم أر لي بحمد الله تعالى شيئا يخصني من المحتاجين به ، فالحمد لله رب العالمين . فاسلك يا أخي على يد شيخ صادق ليخرجك من شح الطبيعة بأفعاله وأقواله ، وإلا فمن لازمك الشح وبتقدير أنك تعطي الناس ما يسألون فلا يخلو ذلك من علة تؤثر في الإخلاص كما يعرف ذلك أرباب السلوك ، فإن الشيخ إذا لم يكن فعله سابقا على قوله كان قدوة لهم في الضلال كما إذا أمرهم بقيام الليل ونام هو ، وبالزهد في الدنيا ورغب هو ، والله إني لأصلي بالقرآن كاملا في ركعة واحدة في بعض الليالي وأود لأن لو اطلع على ذلك بعض المريدين ليقتدوا بي في ذلك ، فإني أعلم أني إذا نمت ناموا فبمن يقتدون إذا كنت بالليل نائما ، وربما أخالف ما آمر الناس به فيعملون معدلي ولو في أنفسهم ، ويقولون الشيخ يأمرنا بالصلاة في الليل وينام ، ويأمرنا برمي الدنيا ويجمعها هو ، ويزهدنا في الدنيا ويأمرنا بإخراجها والتصدق بها ولا نراه يفعل هو شيئا من ذلك ، بخلاف ما إذا زهد الشيخ وأنفق أو تصدق أمامهم فإنهم ربما يتبعونه ، ووالله إني لأتصدق في بعض الأوقات بالدينار والقميص وأنا أحوج إليه أشد من الآخذ له تنشيطا للإخوان حتى يخرجوا عن مسك اليد ، وأرى ذلك مقدما على نفع نفسي ، فاعلم ذلك واعمل عليه والله يتولى هداك