وروى الحاكم مرفوعا وقال صحيح الإسناد : " " حلوة الدنيا مرة الآخرة ، ومرة الدنيا حلوة الآخرة " " . وروى الطبراني بإسناد حسن مرفوعا : " " من أشرب حب الدنيا التاط منها بثلاث : شقاء لا ينفذ عناه ، وحرص لا يبلغ غناه ، وأمل لا يبلغ منتهاه " " . وروى البيهقي مرفوعا : " " هل من أحد يمشي على الماء إلا ابتلت قدماه ؟ قالوا لا يا رسول الله قال : كذلك صاحب الدنيا لا يسلم من الذنوب " " . وروى الإمام أحمد والبيهقي مرفوعا وإسنادهما جيد : " " الدنيا دار من لا دار له ، ولها يجمع من لا عقل له " " . وزاد البيهقي : ومال من لا مال له . والأحاديث في ذلك كثيرة . والله سبحانه وتعالى أعلم . ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أن نجوع ولا نشبع كل الشبع من الطعام في دار الدنيا ، وذلك لأن الله تعالى مدح البكائين من خشية الله ، ولا يبكي خالصا إلا من كان جائعا ، وأما الشبعان فمن لازمه التفعل في البكاء ، والتفعل لا يقبله الله تعالى ، وما لا يتوصل إلى المقصود إلا به فهو مقصود . فجع يا أخي لتبكي وتدخل حضرة ربك في صلاتك وغيرها مع الخائفين من سطواته ، ولا تشبع تطرد إلى حضرة البهائم والشياطين . وهذا العهد قل من يعمل به الآن من غالب الناس بل ربما أكل أحدهم الشهوات وشبع من الحرام ، بل رأيت جماعة انهمكوا في أكل الشبهات حتى قست قلوبهم ، فلا تكاد تجد أحدا منهم يبكى عند سماع موعظة وباعوا دخول حضرة ربهم بشهوة البطن . واعلم يا أخي أن البكائين من خشية الله عز وجل قد قلوا من الدنيا ، وآخر من رأيته من البكائين عند سماع القرآن والمواعظ سيدي الشيخ علي البحيري تلميذ سيدي علي النبتيتي ، وتلميذ الشيخ شهاب الدين بن الأقيطع رحمهما الله ، كان إذا سمع آية عذاب في حق الكفار بكى حتى يبل لحيته وتصير عيناه تهملان من الدموع ، وكذلك كان شيخه سيدي علي وشيخنا الشيخ زكريا فكانا يبكيان حتى كأن النار لم تخلق إلا لهما وبعدهم قل