وروى الطبراني مرفوعا : من أسبغ الوضوء في البرد الشديد كان له كفلان من الأجر . وروى الإمام أحمد وغيره مرفوعا : من توضأ ثلاثا فذلك وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي . والله تعالى أعلم . ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أن نحافظ على دوام الوضوء وعلى تجديده لنكون مستعدين لقبول الواردات الإلهية ، فإن صدقته تعالى على عباده لا تنقطع ليلا ولا نهارا ، ومن كشف الله تعالى عن بصيرته وجد نفسه جالسا بين يدي الله عز وجل على الدوام ، وهذا أمر يتأكد فعله على أكابر العلماء والصالحين ، لأن معظم الواردات الإلهية في العلوم الظاهرة والباطنة تنزل عليهم ، وقد أغفل ذلك كثير منهم . وممن رأيته على هذا القدم من أولياء العصر الشيخ محمد بن عنان والشيخ داود والشيخ محمد العدل ، ومن أكابر الدولة بمصر ، الأمير محي الدين بن أبي الأصبغ ، ووالده الأمير يوسف ، ومن المباشرين عبد القادر الزرمكي ، ومن التجار جلال الدين بن فاقوسة ، ومن العلماء أخي العبد الصالح شمس الدين الشربيني وصاحبه الشيخ صالح السملي ، ومن جماعة الوالي الحاج أحمد القواس ، حتى إنه سمع شخصا نائما أخرج ريحا في المسجد فامتنع من النوم في المسجد خوفا أن يخرج منه ريح في النوم ، فإذا كان هذا يقع من الأمراء وغلمان الوالي فالعلماء والصالحون أولى بالمواظبة على الطهارة . ورأيت سيدي محمد بن عنان إذا كان في الخلاء وأبطأ عنه ماء الوضوء ضرب بيده على الحائط وتيمم حتى لا يمكث بلا طهارة وإن لم تجز له الصلاة بذلك التيمم . وقد رأيت الشيخ تاج الدين الذاكر المدفون بزاويته في حارة حمام الدود بمصر كلما يصلي بوضوئه صلاة ما يجدد الوضوء ، وكان لا يدخل الخلاء إلا من الجمعة إلى الجمعة وبقية الأسبوع كله على طهارة ليلا ونهارا مع أكله وشربه على حكم عادة الناس ، فسألت أصحابه عن ذلك فقالوا : كل شئ نزل جوفه احترق من شدة الحال . وكان سيدي محمد بن عنان يقلل الأكل جدا حتى لا يدخل الخلاء إلا قليلا ويقول : إن أحدنا مجالس لله على الدوام ولو لم يشعر بذلك ، وإذا قال الملك لعبده تهيأ لمجالستي