وروى الطبراني عن ثوبان قال : قلت يا رسول الله ما يكفيني من الدنيا ؟ قال ما سد جوعتك ، ووارى عورتك وإن لك بيت يظلك فذاك ، وإن كان لك دابة فبخ . وروى الطبراني ورجاله رجال الصحيح ، عن ابن عمر سأله رجل فقال : ما ألبس من الثياب ؟ فقال : " " ما لا يزدريك فيه السفهاء ، ولا يعيبك فيه الحكماء ، قال : ما هو ؟ قال ما بين الخمسة دراهم إلى العشرين درهما " " . وروى ابن أبي الدنيا مرفوعا : " " شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم ، الذين يأكلون ألوان الطعام ، ويلبسون ألوان الثياب ، ويتشدقون في الكلام " " . والله تعالى أعلم . ( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أن نتصدق بالثوب الخلق أو العمامة الخلقة أو النعل الخلق إذا لبسنا الجديد ، وإنما لم يأمرنا صلى الله عليه وسلم بالتصدق بالجديد ، لأن النفس تتبعه في الغالب ، ومن تصدق بما تتبعه نفسا فأجره ناقص ، فعلم أن من لم تتبع نفسه الجديد فالتصدق به أولى ، إلا أن يكون من الكاملين أو في مقام المجاهدين ، فإن الكامل فرغ من مجاهدة نفسه ، وأمر بالإحسان إليها ويعاملها على الأجانب لكونها أقرب الناس إليه ، والأقربون أولى بالمعروف . وأما من كان في مقام المجاهدة ، فإنه مأمور بمخالفة النفس فيما تهواه فيتصدق بالجديد ولو تبعته نفسه حتى يغلبها نزاعها له ، وسوف يدخل إن شاء الله مقاما لا تتبع نفسه شيئا يعطيه لأحد من الناس ، ولو كان أنفس ما يكون كما جربناه وذقناه ، قال تعالى : * ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) * . وقد سمع سيدي علي الخواص رحمه الله فقيرا يقول : خليقة لله ، جديد لله ، كسيرة لله ، فنزع له خلقته ، وأعطاه جديدا وكسرة وقال : لما سمعته يقول لله : كاد لحمي يذوب من الحياء ، ولو سألني جميع ما علي لله لأعطيته له ، وكان الحظ الأوفر لي لما أرى لله على من المنة في إعطائي كل ما طلبه الفقير لله فإن الفقراء غافلون عن طلب العوض على ذلك في الآخرة ، لكونهم لا يشهدون لهم مع الله ملكا يعطون منه أحدا ، وإنما نعيمهم ولذتهم في الأخذ من الحق ، وإعطاء ذلك ثانيا للحق كما يلتذ من ألبسه السلطان بيده خلعة