( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أن نصوم عند القدرة ما أمرنا بصومه من صوم الأشهر الحرم ، لا سيما المحرم ، وصوم يوم وإفطار يوم ، والإكثار من الصوم في شعبان ، وكذلك صوم الأربعاء والخميس والجمعة والسبت والأحد على التوالي ، وغير ذلك مما ورد امتثالا للأمر واغتناما للأجر ، ولا نترك شيئا من ذلك إلا لعذر شرعي كما أشرنا إليه بقولنا عند القدرة . وفائدة الأمر بالعبادات لمن لم يقسم له الاستغفار إذا لم يفعل فيجبر ذلك الخلل الواقع ، وفيه إظهار أنه لم يترك ذلك إلا لعدم القسمة لا تهاونا بالأوامر الشرعية . وفي المثل السائر : وقع من فلان كذا وكذا وما هي عادته إنما وقع ذلك منه لفرط الحرص ، ولكن بذلك تفاوتت مراتب الناس ، فإن العمل الصالح إنما شرع وسمي صالحا لحضور صاحبه فيه مع الحق تعالى ، فأكثر الناس فعلا بالمأمورات أكثر من مجالسة للحق في الدنيا والآخرة . ومن من الله تعالى عليه بدوام الحضور في بعض العبادات ليلا ونهارا ، فجلوسه مع الحق تعالى كذلك دائم ، لكن يفوته تنوعات الواردات من الحق إذ التنوع أكثر نعيما من التنعم بالشئ الواحد عادة ، فربما سئمت منه نفسه فلا يصير بعده نعيما لعدم اللذة فيه . وسمعت سيدي عليا الخواص رضي الله تعالى عنه يقول : لكل مأمور شرعي من فرض أو مندوب مجالسة مع الحق تعالى ، ولكل منهي عنه من حرام أو مكروه حجاب عن الله تعالى ، ومن شهد كشفنا أن المشرع هو رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر و النهي كان على وزان ذلك فيكون حجابه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضوره معه على حسب فعل أوامره واجتناب نواهيه ، وكذلك القول فيما سنه الأئمة ومقلدوهم فيما يوافق الشريعة تكون مجالسة العامل بذلك للأئمة ومقلديهم بقدر ما فعل من سائر مأموراتهم واجتنب من منهياتهم وحجابه عنهم ، بقدر ما وقع في مخالفاتهم وهو كلام نفيس . فاعلم ذلك ، والله يتولى هداك : * ( وهو يتولى الصالحين ) * . روى الطبراني وغيره مرفوعا صوموا الأشهر الحرم . وروى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة مرفوعا واللفظ لمسلم : " " أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم " " .