وقال آخرون : لا يسمى زاهدا حتى يكون مع تركه لها غير مريد لها ، وذلك خروج قدرها من القلب . واختلفوا إذا خرج قدرها من القلب ، ولم تحبها النفس فتتناول منها شيئا على جهة المباح . فقال قوم : قد تم زهده بخروج قدرها من قلبه ، وإن تناول منها . وقال آخرون : إذا خرج قدرها فتناول منها شيئا فهو ناقص ، إلا أن يكون المتناول منها يعين على طاعة ، أو ما لا بد منه ، مما لو تركه لم يأمن نفسه الخروج إلى غيره ، مثل من يكف به طبعه ، وبشريته ، من الغذاء ، والنوم ، واللباس ، والنساء . إذ كانت البشرية مطبوعة على ذلك ، وإنما المذموم أن يتعاطى الإنسان الزيادة على ما يحتاج إليه من ذلك ، بعد تسكين البشرية ، متلذذا ، متمتعا ، وإن كان مباحا . وقال آخرون : لا يكون خارجا من الزهد من يتناول مباحا ، كما لا يكون زاهدا من تناول محظورا . وقال آخرون : كل ما يتناوله أو يدخل فيه ، لا بد من أن يكون محرما منهيا عنه ، أو محللا مأمورا به ، أو مباحا مسكوتا عنه . فأما الحرام فلا معنى للكلام فيه ، وأما الحلال والمباح فلا يدخل فيه إلا بنية ، ولا تخلو النية من أن تكون محصورة ، يراد بها الطاعة ، أو مذمومة تؤول إلى المعصية ، أو مسكوتا عنها . فمن دخل الأشياء بلا نية لم يطلق عليه اسم حمد ، ولا ذم ، وما دخل فيها بنية رد إلى نيته ، وقد قال قوم : إذا دخل بلا نية فهو ناقص لأنه عبد مأمور منهى ، فكل ما دخل فيه مما لا يوافق أمرا ولا نهيا فهو فضول لا يعنى ، وتركه