الثاني - ألا نجد الناس اختلفوا فيها .
وقد كان رضي الله عنه يراعي كل المراعاة العمل المستمر الأكثر ويترك ما سوى ذلك ، وإن جاء فيه أحاديث ، وقال : أحب الأحاديث إلى ما اجتمع الناس عليه .
ولنعد إلى ما نحن بصدده :
قال الشاطبي في الموافقات [1] : قال الإمام مالك في حديث غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا : جاء هذا الحديث ولا أدري ما حقيقته ! وكان يضعفه ويقول : يؤكل صيده فكيف يكره لعابه ؟ وأهمل مالك كذلك اعتبار حديث من مات وعليه صوم . صام عنه وليه [2] وذلك للأصل القرآني ولا تزر وازرة وزر أخرى .
وقال ابن العربي : إذا جاء خبر الواحد معارضا لقاعدة من قواعد الشرع ، فهل يجوز العمل به أم لا ؟ قال أبو حنيفة : لا يجوز العمل به ، وقال الشافعي :
يجوز ، وقال مالك إن الحديث إذا عضدته قاعدة قال به وإن كان وحده تركه كما في حديث ولوغ الكلب - لأن هذا الحديث عارض أصلين عظيمين ، أحدهما قوله تعالى : " فكلوا مما أمسكن عليكم " والثاني أن علة الطهارة ( الحياة ) وهي قائمة بالكلب ، ونهى عن صيام ست من شوال - مع ثبوت الحديث الذي أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي ، وهو من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر - رد ذلك تعويلا على أصل سد الذرائع .
ومذهب أبي حنيفة : أن خبر الواحد إذا ورد على خلاف القياس لم يقبل ولهذا لم يقبلوا حديث المصراة .
وكان الطحاوي [3] إمام الحنفية مجتهدا في المذهب يخالف أبا حنيفة عند قيام الدليل ، وينقد الحديث نقد معنى وإن صح السند في نظر المحدثين .