سماعه من الرسول [1] والعهد يومئذ قريب ، والصحابة متوافرون ، والمادة لم تنقض بعد . . .
ثم كان عمر يتثبت في النقل إذ كانت طائفة من الناس قد مردت على النفاق وكانت الحاجة قد اشتدت إلى الرواية - وكان عمر وعثمان وعائشة وجلة من الصحابة يتصفحون الأحاديث ، ويكذبون بعض الروايات التي تأتي ، ويردونها على أصحابها ، ثم خشي عمر أن يتسع الناس في الرواية ، فيدخلها الشوب ، ويقع التدليس والكذب من المنافق والفاجر والأعرابي ، فكان يأمرهم أن يقلوا الرواية وكان شديدا على من أكثر منها أو أتى بخبر في الحكم لا شاهد له عليه ، لأن المكثر وإن جاء بالصحيح فقد لا يسلم من التحريف أو الزيادة أو النقصان في الرواية ، وقد سمعوه ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار [2] . وعلى هذه الجهة من التوقي والإمساك في الرواية كان كثير من جلة الصحابة وأهل الخاصة بالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كأبي بكر والزبير وأبي عبيدة والعباس بن عبد المطلب يقلون الرواية عنه بل كان بعضهم لا يكاد يروي شيئا كسعيد بن زيد وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة .
وكان أكثر الصحابة رواية أبو هريرة وقد صحب ثلاث سنين [3] وعمر بعده ( صلى الله عليه وسلم ) نحوا من خمسين سنة [4] ولهذا كان عمر وعثمان وعائشة ينكرون عليه ويتهمونه وهو أول راوية اتهم في الإسلام وكانت عائشة أشدهم إنكارا عليه لتطاول الأيام بها وبه إذ توفيت قبله بسنة . . .
ثم كانت الفتنة أيام عثمان واضطرب من بعدها حبل الكلام في الخلافة وخاض الناس في ضروب من الشك والحيرة والقلق فكان فيهم من لا يتوقى ولا يتثبت ، وألف كثير من الناس أمر هؤلاء فلم يبالوا أن يتبينوا فيرجعوا في الرواية إلى شهادة