بسببه بعيد عن صناعة الحديث بعد السماء عن الأرض .
ومن الأمور التي تدل على تصور الألباني : أنه اقتصر في كلامه على الحارث على قوله : ضعفه الجمهور . وقال ابن المديني : كذاب .
وترك ذكر العدد الكبير الذي وثقه وأثنى عليه كما ذكر ذلك في ترجمة الحارث من كتب الجرح . وقد ذكرت ذلك فيما سبق .
والمقرر عن المحدثين والذي عليه عملهم : أنه يجب أن يذكر في الراوي ما قيل فيه من جرح وتعديل ومدح وذم ليعرف منزلة قول الجارح من المادح ، فإن عبارات المجرحين يظهر الخلل فيها من أقوال الموثقين للراوي نفسه كما هو معلوم .
ولعلي أشرت إلى هذا في " الباحث " ، من ذلك : أن الجرح لا يقبل إلا مفسرا كما أجمع عليه أهل النقد من أهل الحديث ، اللهم إلا إذا كان الراوي لم يوثق مطلقا .
أما إذا كان الراوي وثقة جماعة وجرحه آخرون بجرح غير مفسر ، فالجرح مردود غير مقبول قولا واحدا بدون خلاف من أحد .
كما هو الحال في الحارث ، فإن المجرحين له لم يفسروا جرحهم له ، ولم يبينوا أسبابه ، فيطرح جرحهم ويترك ويعمل بقول من وثقه ، وهو الجمهور من السلف والخلف .
ولكن الألباني اقتصر على قوله : إنه كذاب ، والجمهور على تضعيفه . ونحن لا نكون مثله ، فنقول : إنه يشم منه رائحة النصب ، وقد عابوا على ابن الجوزي في كتابه في الرجال صنيعه الذي تفرد به عن أهل الحديث ، وهو الاقتصار على ذكر ما قيل في الرجل من الجرح دون التعديل ، لأن ذلك ينافي الأمانة أولا ، ويضلل الباحث عن حال الرجال ثانيا .
ومما يضحك ويجعل حبوتك تنحل عجبا من هذا الألباني : أنه جعل قول شعبة : لم يسمع أبو إسحاق منه إلا أربعة أحاديث ، مما يجرح به الحارث ، مع أن هذا لا دخل له في باب الجرح مطلقا عند أهل الحدث النقاد ، وإنما هو إخبار عن كون أبي إسحاق لم يكن من المكثرين عن الحارث لا غير . كما أن عددا من المشاهير الثقات من رجال الصحيح لم يرو عنهم بعض الأئمة إلا حديثا واحدا ، فضلا عن أربعة .