العامة لقصة موسى في السور المدنية فإنها تتحدث عن علاقة موسى مع بني إسرائيل ، وتتحدث عن هذه العلاقة وارتباطها بالمشاكل الاجتماعية والسياسية . وهذا قد يدلنا على أن هذا التكرار للقصة في السور المكية انما كان يعني نزول القصة لمعالجة روحية تتعلق بحوادث مختلفة كانت تواجه النبي والمسلمين ، ومن أهداف هذه المعالجة توسعة نطاق المفهوم العام الذي تعطيه قصة موسى في العلاقة بين النبي والجبارين من قومه أو القوانين التي تحكم هذه العلاقة ، وان هذه العلاقة مع نهايتها لا تختلف فيها حادثة عن حادثة أو موقف عن موقف . ولعل إلى هذا التفسير تشير الآيات الكريمة التي جاءت في سورة الفرقان : ( وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ، كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا * ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا * الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا * ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا ) [1] . فان من الملاحظ في هذه الآيات أن القرآن يذكر ان السبب في التدرج والترتيل في القرآن الكريم هو التثبيت للنبي من ناحية ، والاتيان بالحق والتفسير الأفضل للوقائع والاحداث والامثال من ناحية أخرى ، ثم يأتي بهذا التفسير الأحسن من قصة موسى ( عليه السلام ) . الثالث : ان الدعوة الاسلامية مرت بمراحل متعددة في سيرها الطويل ، وقد كان القرآن الكريم يواكب هذه المراحل ويماشيها في عطائه وطبيعة أسلوبه ، وهذا كان يفرض أن تعرض القصة الواحدة بأساليب متفاوتة في الطول والقصر ، نظرا لطبيعة الدعوة وطريقة بيان المفاهيم والعبر فيها ، كما نجد ذلك في قصص الأنبياء حين تعرض في السورة القصيرة المكية ، ثم يتطور العرض بعد ذلك إلى شكل أكثر