حفظ القرآن وتدارسه واستظهاره ، ويدفع كل مهاجر جديد إلى أحد الحفاظ من الصحابة ليعلمه القرآن ، ويستعمل مختلف أساليب التشجيع لتعميم حفظ القرآن وإشاعة تلاوته ، حتى أصبح مسجد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عامرا بتلاوة القرآن يضج بأصوات القراء ، فأمرهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ان يخفظوا أصواتهم لئلا يتغالطوا . فعن عبادة بن الصامت : " كان الرجل إذا هاجر دفعه النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى رجل منا يعلمه القرآن ، وكان يسمع لمسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ضجة بتلاوة القرآن ، حتى أمرهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ان يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا " [1] . وشاعت قراءة القرآن في كل مكان في المجتمع الاسلامي ، وافتتن المسلمون بتلاوته وشغفوا بقراءته والاستماع إليه ، وكان همهم الذي ملك عليهم قلوبهم ، حتى روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : " اني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين حين يدخلون بالليل واعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل ، وان كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار " [2] . وكان تدارس القرآن واستظهاره رائجا بين الرجال والنساء . أما جمعه بمعنى كتابته وتسجيله فقد عرفنا في بحث ثبوت النص القرآني ان القرآن الكريم قد تم جمعه زمن الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) ، ولكن الرأي السائد في أبحاث علوم القرآن أن جمعه قد تم في عهد الشيخين ، وقد عرفنا أنه يمكن التوفيق بين الرأيين في أن أصل الجمع تم في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجمعه على شكل مصحف منتظم الأوراق فهو مما تم في عهد الشيخين ، وقد عرفنا أيضا سلامة النص القرآني من دون فرق بين الفرضية الأولى والثانية وأشرنا إلى بعض الشبهات التي أثيرت حول الجمع بناء على الفرضية الثانية وناقشناها .
[1] البيان لاية الله السيد الخوئي ، ح 255 نقلا عن مناهل العرفان : 324 . [2] كنز العمال 12 : 56 ، الأشعريون .