لدلالة الحال . قال الرمخشري : فإن قلت : كيف قال - اكتتبها فهي تملى عليه - وإنما يقال أمليت عليه فهو يكتبها ؟
قلت : فيه وجهان : أحدهما أراد اكتتابها أو طلبه فهي تملى عليه ، أو كتبت له وهو أمي فهي تملى عليه : أي تلقى عليه من كتابة يحفظها ، لأن صورة الإلقاء على الحافظ كصورة الإلقاء على الكاتب . والألف في أفرح للاستفهام الإنكاري الإبطالي ، وهذه تقتضى أن ما بعدها غير واقع وأن مدعيه كاذب ، ووجهه إفادة هذه الهمزة نفى ما بعدها ولزوم ثبوته إن كان منفيا لأن نفى النفي إثبات ، ومنه ( أليس الله بكاف عبده ) ولهذا عطف ( ووضعنا ) على ( ألم نشرح لك صدرك ) لما كان معناه شرحنا ، ومثله ( ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ) ولهذا كان قول جرير في عبد الملك :
ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح مدحا ، بل قيل إنه مدح بيت قالته العرب ، ولو كان على الاستفهام الحقيقي لم يكن مدحا ، وقبل البيت :
إن كنت أزننتنى بها كذبا * جزء فلاقيت مثلها عجلا أي يا جزء قتل لهذا الشاعر أخوه فاتهم بأنه سر بأخذ الدية فقال فيه يقال أزننته به : أي اتهمته . والرزء :
النقصان . والشصائص جمع شصوص : وهى الناقة القليلة اللبن . والنبل : الصغار ، وهو من الأضداد وأنه جمع نبيل ككريم وكرم ، وروى في الشعر نبل بضم النون جمع نبلة . قوله أفرح : هو كلام منكر الفرحة برزية الكرام ووراثة الذود مع تعريه من حرف الإنكار لانطوائه تحت حكم القول من قال له : أتفرح بموت أخيك وبوارثة إبله ؟ والذي طرح لأجله حرف الإنكار إرادة أن يصور قبح ما رزئ فيه ، فكأنه قال : نعم مثلي يفرح برزء الكرام ، وبأن يستبدل بهم زودا يقل طائله وهو من التسليم الذي تحته كل الإنكار . وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة القتال عند قوله تعالى ( ومثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار ) إلى قوله ( كمن هو خالد في النار ) حيث عرى من حرف الإنكار فيها زيادة تصوير لمكابرة من يسوى بين المتمسك بالبينة والتابع لهواء ، وأنه بمنزلة من يثبت التسوية بين الجنة التي فيها تلك الأنهار وبين النار التي يلقى أهلها الحميم .
( إن يعاقب يكن غراما وإن يعط * جزيلا فإنه لا يبالي ) في سورة الفرقان عند قوله تعالى ( إن عذابها كان غراما ) هلاكا وخسرانا ملما لازما ، والجزيل : العطاء الكثير وأجزل العطاء ، ولا يبالي من المبالاة وهو الاكتراث . يقول : إن يعاقب الأعداء يكن غراما لهم ، وإن يعط الأولياء فإنه لا يبالي من إعطاء الكثير .
( لقد كذب الواشون ما فهت عندهم * بسر ولا أرسلتهم برسول ) في سورة الشعراء عند قوله تعالى ( فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين ) حيث أفرد الرسول لأنه مصدر وصف به فإنه مشترك بين المرسل والرسالة ولذلك ثنى تارة وأفرد أخرى ، أو لا تفاقهما على شريعة واحدة ، أو أريد أن كل واحد منا ، وقبل البيت :
حلفت برب الراقصات إلى منى * خلال الملا يمددن كل جديل وبعده :
فلا تعجلي يا عز أن تتفهمي * بنصح أتى الواشون أم بحبول خلال الملا : وسط الناس . والجديل : الحبل المفتول . والحبول جمع حبل .