( لا يدهمنك من دهمائهم عدد * فإن جلهم بل كلهم بقر ) في سورة المائدة عند قوله تعالى ( ولو أعجبك كثرة الخبيث ) البيت لأبى تمام ، وقبله :
لم يبق من جل هذا الناس باقية * ينالها الوهم إلا هذه الصور دهمه غشيه . يقول لا يدهمنك من جماعتهم الكثيرة عدد فيهم غناء ونصرة فإن كلهم كالأنعام والبهائم ولله در القائل : لا يدهمنك اللحاء والصور * تسعة أعشار من ترى بقر في شجر السرو منهم شبه * له رواء ما له ثمر وكما قال : لا بأس بالقوم من طول ومن عظم * جسم الجمال وأحلام العصافير ( أحار بن عمرو كأني خمر * ويعدو على المرء ما يأتمر ) في سورة المائدة عند قوله تعالى ( إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم ) في محل النصب على اتباع حركته حركة الابن كقولك يا زيد بن عمرو ، وهى اللغة الفاشية ، ويجوز أن يكون مضموما كقولك يا زيد بن عمرو ، والدليل عليه قوله أحار بن عمرو أصله يا حارث بن فرحة ، والترخيم لا يكون إلا في المضموم ، لأن المفتوح مع الصفة بمنزلة اسم واحد كالمركب ، ولا ترخيم في وسط الكلمة ولأن في ضم المفتوح إخلالا بالفتحة المجتلبة للتناسب والاتباع ، والخمر الذي أصابه الخمار ، وقيل الذي خامره داء . ما يأتمر فاعل يعدو : أي ائتماره وامتثاله على أن ما مصدرية ، أو ما يمتثل من أمر نفسه وهواه على أنها موصولة ، قال الشاعر :
بخط كأن الله قال لحسنه * تشبه بمن قد خطك اليوم فأتمر وقيل يأتمر من الائتمار والمؤامرة وهى الصلح ، قال الشاعر :
فلما أن رأينا الناس صاروا * أعادى ليس بينهم ائتمار - أي حكم ( تردت به ثم انفرى عن أديمها * تفرى ليل عن بياض نهار ) في سورة الأنعام عند قوله تعالى ( فالق الإصباح ) ومعنى فلق الصبح والظلمة هي التي تنفلق عن الصبح كما قال * تفرى ليل عن بياض نهاره * أنه فلق ظلمة الإصباح وهى الغبش في آخر الليل ، ومقتضاه الذي يلي الصبح ، أو يراد فالق الإصباح هو عمود الفجر عن بياض النهار وإصفاره ، والشعر لأبى نواس يصف الخمر ، وقبله : كأن بقايا ما عفا عن حبابها * تفاريق شبب في سواد عذار ثم البيت والتشبيه في أن الحباب ستر الخمر لقوله تردت فلما انشق الحباب عن وجه الخمر ظهرت كما انشق الليل عن بياض النهار واستبان .
( لا بأس بالقوم م طول ومن عظم * جسم الجمال وأحلام العصافير ) في سورة الأعراف عند قوله تعالى ( حتى يلج الجمل في سم الخياط ) فإن سم الإبرة مثل في ضيق المسلك يقال :
أضيق من خرت الإبرة ، وقالوا للدليل الماهر خريت لإهتدائه في المضايق المشبهة بأخرات الإبر والجمل مثل في عظم الجرم ، ويضرب المثل بالعصفور لأحلام الحمقى فيقال : أخف حلما من العصفور كأنه يقول : لا يعجبك من القوم المعلوم عظم جسمهم وطول قامتهم لهم جسم الجمال وأحلام العصافير ، وإنما المرء بالعقل والحلم لا باللحم والشحم ، ويعجبني في هذا المعنى قول ثوبان بن جهم المذحجي :