وقد قيل ينبغي أن يجعل الإنسان عند ذكر محبوبه نفسه قلبا ويجعل قلبه أذنا ثم يسمع ذكره ، كما قيل :
غنت فلم يبق في جارحة * إلا تمنيت أنها أذن وقد أحسن سيدي عمر بن الفارض في قوله :
إذا ما بدت ليلى فكلى أعين * وإن هي ناجتني فكلى مسامع ( يا عارضا متلفعا ببروده * يختال بين بروقه ورعوده ) هو للبحتري في سورة البقرة عند قوله تعالى ( ورعد وبرق ) حيث لم يجمع الرعد والبرق أخذا بالأبلغ كما في قول البحتري ، لأنهما لما كانا مصدرين في الأصل روعي حكم أصلهما بأن ترك جمعهما ، شبه الشاعر السحاب لتكاثفه بمن لبس برودا كثيرة وأثبت البرود تخييلا والتلفع والاختيال ترشيحا ، وبعده :
إن شئت عدت الأرض نجد عودة * فحللت بين عقيقه وزروده وبعده : لتجود في ربع بمنعرج اللوى * قفر تبدل وحشة من غيده ( أتيما تجعلون إلى ندا * وما تيم لذي حسب نديد ) في سورة البقرة عند قوله تعالى ( فلا تجعلوا لله أندادا ) والند هو المثل ، ولا يقال إلا للمثل المخالف المناوي سواء كان ضدا أو خلافا ، وقيل الكفء ، قال حسان :
أتهجوه ولست له بند * فشركما لخيركما الفداء أي لست له بكفء وقد روى ذلك ، والجعل بمعنى التصيير القولي والاعتقادي من قبيل ( وجعلوا الملائكة ومعنى إلى : منسوبا إلى ، فهو حال من تيما ، وقيل من ندا ، وفيه أن هذا في حكم خبر المبتدأ فلا يكون ذا حاله ، والنديد المثل : أي لا يصلحون مثلا لذي حسب فكيف لمثلي المشهور بالإحسان ؟
( إذا ما استحين الماء يعرض نفسه * كرعن بسبت في إناء من الورد ) في سورة البقرة عند قوله تعالى ( إن الله لا يستحيى أن يضرب مثلا ) والله تعالى ليس من شأنه الحياء لكن أستعير الحياء فيما يصح فيه : أي إن الله لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحى أن يتمثل به لحقارتها فعلى هذا يكون قوله ( إن الله لا يستحيى ) من قبيل التمثيل والمشاكلة ، والضمير في استحين للنوق : أي يتركن . والسبت :
الجلود المدبوغة بالقرظ ، والمراد هنا مشافرها للينها . الشاعر يصف كثرة مياه الأمطار في طريقه ، وأنه أينما ذهب رأى الماء ، فكأنه يعرض نفسه عليها فتكرع فيه بمشافرها كأنها السبت والأرض قد أنبتت الأزهار والأنوار ، فكأنها لذلك إناء من الورد ، وقريب منه ما أنشده المصنف شاهدا لتعدية الاستحياء بنفسه لامرأة دعته إلى النكاح وهى عند قبر زوجها :
فإن تسألاني عن هواي فإنني * مقيم بهذا القبر يا فتيان وإني لأستحييه والقبر بيننا * كما كنت أستحييه وهو يراني ( ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى ) هو لطرفة بن العبد من قصيدته المشهورة التي أولها :
لخولة أطلال ببرقة ثهمد * تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد