ولعلّ على هذا المعنى جاء قوله سبحانه : * ( ولا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وأَحْسَنَ تَفْسِيراً ) * « 1 » وبذلك يختلف عن التأويل لأنّ التأويل من الأول أي الرجوع إلى الأصل كما في مفردات الراغب « 2 » ، والتفسير أعمّ منه ، كما وأنّ أكثر ما يستعمل التفسير في الألفاظ والتأويل في المعاني ، كتأويل الرؤيا ، كما أنّ التفسير أكثره يستعمل في المفردات بينما التأويل في الجمل ، مضافا إلى أنّ التأويل يستعمل أكثره في الكتب الإلهيّة ، بينما التفسير قد يستعمل في الأعمّ ، ولا يخفى عليك أنّ تفسير القرآن والعلم بتأويله من أشرف الصناعات وأسمى المعارف ، وذاك لما ثبت في المنطق من أنّ الصناعات الحقيقيّة إنّما تتشرّف بأحد ثلاثة أمور :
الأول : شرف موضوعاتها ، وهو المشهور الغالب في مختلف العلوم ، كما قالوا بأشرفيّة علم الكلام على الفقه ، والثاني على الأصول لكون الأوّل يبحث في موضوع المبدأ والمعاد ، وهما يعودان إلى الخالق تبارك وتعالى ، وفي العرف يقولون : الصياغة أشرف من الدباغة لأنّ موضوعها الذهب والفضّة ، وهما أشرف من جلد الحيوان المذكّى أو الميتة الذي هو موضوع الدباغة .
الثاني : شرف أغراضها وغاياتها ، كما شرّف علم الطب على غيره لكونه يهدف إفادة صحّة الإنسان وسلامته ، والإنسان أشرف مخلوقات اللَّه سبحانه ، وكما شرّف علم الفقه على غيره لكونه يهدف الرفعة بالإنسان إلى الكمالات المعنويّة العالية . وفيه قد قيل :
موضوعه فعل المكلفينا * غايته الفوز بعليينا « 3 » الثالث : شرف معلومه ، وبعضهم أضاف شدّة الحاجة إليه لوقوع مسائله كثيرا في محلّ حاجة العالم واستنفاد أغراضه .