غريبه عرف غريب القرآن ( 1 ) وبدأ التأليف فيه العصر الثاني لعصر الرسول ( ص ) كما وصفه ابن الأثير في النهاية : ( . . . وفي العصر الثاني كان اللسان العربي عندهم صحيحا محروسا لا يتداخله الخلل ، ولا يتطرق إليه الزلل إلى أن فتحت الأمصار ، وخالط العرب غير جنسهم من الروم والفرس والحبش والنبط وغيرهم من أنواع الأمم الذين فتح الله على المسلمين بلادهم ، فاختلطت الفرق ، وامتزجت الألسن ، وتداخلت اللغات ، ونشأ بينهم الأولاد ، فتعلموا من اللسان ما لا بد لهم في الخطاب منه ، وحفظوا من اللغة ما لا غنى لهم في المحاورة عنه ، وتركوا ما عداه لعدم الحاجة إليه وأهملوه لقلة الرغبة في الباعث عليه ، فصار بعد كونه من أهم المعارف مطرحا مهجورا ، فما انقضى زمانهم على إحسانهم إلا واللسان العربي قد استحال أعجميا أو كاد فلا ترى المستقل به والمحافظ عليه إلا الآحاد ) . ( 2 ) بهذا الوصف الموجز الرائع يحدثنا العلامة ابن الأثير عن الأسباب المهمة التي أوجبت على العلماء الاهتمام بهذا العلم الشريف وحثهم على التأليف فيه حفظا له من الضياع ، وفي حفظه أمانا للغة العربية من الاندثار ، وصونا لمعاني الكلمات القرآنية والأحاديث النبوية من النسيان ، وهي أسباب مهمة جدا حفزت أئمة اللغة وعلمائها للتأليف في
1 - قال أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي في معالم السنن : الغريب من الكلام إنما هو الغامض البعيد من الفهم كما أن الغريب من الناس إنما هو البعيد عن الوطن المنقطع عن الأهل ، والغريب من الكلام يقال به على وجهين ، أحدهما : أن يراد به إنه بعيد المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن بعد ومعاناة فكر ، والوجه الآخر : أن يراد به كلام من بعدت به الدار من شواذ قبائل العرب فإذا وقعت الينا الكلمة من لغاتهم استغربنا انتهى ، ولا يقصد من هذا التعريف غريب القرآن لأن القرآن الكريم نزل بلغة فهمها الناس على مختلف طبقاتهم وتفاوتهم في المعرفة والفهم . 2 - مقدمة النهاية ص 3 ، 4 ، وكشف الظنون ج 3 ص 1203 .