وكان وقت الإفطار قد حضر أيضاً ، وطبيعي أن يزداد التطلع للطعام ، والبحث عنه ، وبعد حضوره يزيد التعلق بما حضر منه . . فكيف إذا وضع أمامهم ، وتكاد الأيدي تتحرك باتجاهه ، وتمتد إليه .
وإذا بسائل جديد ، هو في هذه المرة « يتيم » ، وليتمه تأثيره على النفوس . ولكن الاندفاع إلى مساعدته يكون في العادة أضعف من الاندفاع لمساعدة المسكين ، لأن احتمالات الحاجة فيه أقل وأضعف . إذ إن يتمه لا يدل على حاجته المادية . .
فإن نفس الحالة الظاهرة للمسكين هي حالة حاجة وفقر ، وعجز عن إيجاد ما يتبلَّغ به ، وهي فورية ، وحادة ، وهي بنفس ظهورها فيه تمثل دعوة لمساعدته بلسان الحال ، وهي شاهد صدقه في ما يدعيه ، بلسان المقال . .
أما اليتيم ، فإن هناك شفقة عليه ، لأجل يتمه ، وحاجته للعاطفة والطمأنينة ، لا لأجل حاجة ظاهرة له ، تستبطن دعوة بلسان الحال لمساعدته . . إذ لعله كاذب في دعواه الفقر . .
وحتى لو كان صادقاً ، فإن الفقر الذي يخبر عنه لا يصل في حدته إلى درجة ظهور ذلك في حالته . كما كان الحال بالنسبة إلى المسكين . .
بل هو لا يزال في مقتبل العمر ، والفرص أمامه ، ولم يمارس بعد إمكاناته ، وقدراته ، بل هو لم يكتشفها بعد . ولعل مشكلته ناشئة من فقد التوجه الصحيح له ، بعد أن فقد كافله . . ففرص النجاح أمامه متوفرة ، وأمله كبير ، وطموحه عارم .
وتحرك العاطفة لأجل فقر اليتيم ، ليس بدرجة تحركها لأجل ذل ومسكنة المسكين . . ويتمه ، لا يحرك الإنسان ليتخلى له عن طعامه ، حتى