والقاعدين عنه من رضا اللَّه تعالى ، وما ضمنته آية السابقين بالشرط على ما ذكرتم ، والتخصيص الذي وصفتم ، ولما اعتمدتموه من تعرّيهم من العصمة ، وما واقعه - من سمّيتموه منهم على الإجماع - من الذنوب ، فخبّرونى عن قوله تعالى : * ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّه عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) * .
فكيف يصحّ لكم تأويله بما يخرج القوم من الرضا والغفران ، والإجماع منعقد على أنّ أبا بكر وعمر [1] وطلحة والزبير وسعدا وسعيدا قد بايعوا تحت الشجرة ، وعاهدوا النبي صلَّى اللَّه عليه وآله ، أوليس هذا الإجماع يوجب الرضا على البيان ؟
قيل له : القول في الآيتين جميعا سواء ، وهو في هذه الآية أبين وأوضح وأقرب طريقا ، وذلك أنّ اللَّه تعالى ذكر المبايعين ، وخصّص من توجّه إليه الرضا من جملتهم بعلامات نطق بها التنزيل ، ودلّ بذلك على أنّ أصحابك - أيّها الخصم - خارجون عن الرضا على التحقيق ، فقال جلّ اسمه : * ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّه عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) * .
فخصّ سبحانه بالرضا منهم من علم اللَّه منهم الوفاء ، وجعل علامته من بينهم ثباته في الحروب بنزول السكينة عليه ، وكون الفتح القريب به وعلى يديه ، ولا خلاف بين الأمة ، أنّ أوّل حرب لقيها رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله بعد بيعة الرضوان حرب خيبر ، وأنّه قدّم أبا بكر فيها فرجع منهزما فارّا من مرحب ، وثنّى بعمر فرجع منهزما فارّا ، يجبّن أصحابه ويجبّنونه .
فلمّا رأى ذلك رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله ، قال : " لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ اللَّه ورسوله ، ويحبّه اللَّه ورسوله ، كرّارا غير فرّار ، لا يرجع حتى يفتح اللَّه تعالى على يديه " [2] ، فأعطاها أمير المؤمنين عليه السّلام ، فلقي مرحبا فقتله ، وكان الفتح على يديه واختصّ الرضا به ، ومن كان معه من أصحابه وأتباعه ، وخرج صاحباك من الرضا بخروجهما عن الوفاء ، وتعرّيهما