ولا تحمل معانيه على الأهواء ، ومن قال فيه بغير علم فقد غوى ، والَّذى ادّعيتموه من نزول هذه الآية في أبي بكر على الخصوص ، فهذا راجع إلى الظنّ ، والعمل عليه غير صادر عن اليقين ، وما اعتمدتموه من الخبر فهو مخلوق ، وقد سبرنا الأخبار ، ونخلنا الآثار ، فلم نجده في شيء منها معروف ، ولا له ثبوت من عالم بالتفسير موصوف ، ولا يتجاسر أحد من الأمّة على إضافته إلى النبي صلَّى اللَّه عليه وآله ، فإن عزّاه إلى غيره فهو كداود ومقاتل بن سليمان [1] وأشباههما من المشبّهة الضلال ، والمجبّرة الأغفال الذين أدخلوا في تأويل كلام اللَّه تعالى الأباطيل ، وحملوا معانيه على ضد الحق والدين ، وضمّنوا تفسيرهم الكفر باللَّه العظيم ، والشناعة للنبيين والملائكة المقرّبين عليهم السّلام أجمعين ، ومن اعتمد في معتقده على دعاوي ما وصفناه ، فقد خسر الدنيا والآخرة بما بيّنّاه ، وباللَّه العصمة وإيّاه نسأل التوفيق .
فصل على أنّ أكثر العامة [2] وجماعة الشيعة يروون عن علماء التأويل وأئمّة القول في معاني التنزيل أنّ هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه السّلام على الخصوص ، وإن جرى حكمها في حمزة وجعفر وأمثالهما من المؤمنين السابقين ، وهذا يدفع حكم ما ادّعيتموه لأبي بكر ويضادّه ، ويمنع من صحّته ويشهد بفساده ، ويقضي بوجوب القول به دون ما سواه ، إذ كان واردا من طريقين ، ومصطلحا عليه من طائفتين مختلفتين ، ومتّفقا عليه من الخصمين المتباينين ، فحكمه بذلك حكم الإجماع ، وما عداه فهو من طريق - كما وصفناه - مقصور على دعوى الخصم خاصّة بما بيّنّاه ، وهذا ما لا يحيل الحقّ فيه على أحد من العقلاء ، فممّن روي ذلك على ما شرحناه :
إبراهيم بن الحكم ، عن أبيه ، عن السدّيّ ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : * ( والَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِه ) * .