محقّا ؟ فقال له هشام : لا يخلوان من ذلك ، وليس يجوز أن يكونا محقّين على ما قدّمت من الجواب .
قال له يحيى بن خالد : فخبّرني عن عليّ عليه السّلام والعباس لمّا اختصما إلى أبي بكر في الميراث أيّهما كان المحقّ من المبطل ، إذ كنت لا تقول أنّهما كانا محقّين ولا مبطلين ؟
قال هشام : فنظرت فإذا أنّنى إن قلت بأنّ عليّا عليه السّلام كان مبطلا ، كفرت وخرجت عن مذهبي ، وإن قلت أنّ العباس كان مبطلا ، ضرب الرشيد عنقي ، ووردت عليّ مسألة لم أكن سئلت عنها قبل ذلك ، ولا أعددت لها جوابا ، فذكرت قول أبي عبد اللَّه عليه السّلام وهو يقول لي يا هشام : " لا تزال مؤيّدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك " [1] ، فعلمت أنّي لا أخذل وعدلي الجواب في الحال .
فقلت له : لم يكن من أحدهما خطأ وكانا جميعا محقّين ، ولهذا نظير قد نطق به القرآن في قصّة داود عليه السّلام حيث يقول اللَّه جلّ اسمه : * ( وهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ) * إلى قوله : * ( خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ ) * ، فأيّ الملكين كان مخطئا وأيّهما كان مصيبا ، أم تقول أنّهما كانا مخطئين ، فجوابك في ذلك جوابي بعينه .
فقال يحيى : لست أقول أنّ الملكين أخطأ ، بل أقول أنّهما أصابا ، وذلك أنّهما لم يختصما في الحقيقة ولا اختلفا في الحكم ، وإنّما أظهرا ذلك لينبّها داود عليه السّلام على الخطيئة ويعرفاه الحكم ويوقفاه عليه .
قال فقلت له : كذلك عليّ عليه السّلام والعباس ، لم يختلفا في الحكم ، ولا اختصما في الحقيقة ، وإنّما أظهرا الاختلاف والخصومة لينبّها أبا بكر على غلطه ويوقفاه على خطئه ، ويدلَّاه على ظلمه لهما في الميراث ، ولم يكونا في ريب من أمرهما ، وإنّما كان ذلك منهما على حدّ ما كان من الملكين ، فلم يحر جوابا واستحسن ذلك الرشيد [2] .
[ انظر : سورة الأعراف ، آية 21 ، حول فراسة المؤمن ومسألة تنافي ذلك ممّا حكى القرآن في حق آدم بأنّه قد رأينا آدم لم يعرف إبليس وإغواه ، ولا عرف داود الملكين ،