الحكام به فيما مضى من الاستحفاظ له ، والاستيداع والاستيمان عليه ، والنصب لهم حكّاما به ، كما كان يحكم به الماضون من خلفاء اللَّه تعالى ، ولم يرد به حقيقة الميراث الذي هو تملك الأعيان من جهة ماض كان يملكها قبل مضيّه ، وإنّما أراد ما ذكرناه تشبيها واستعارة ، على ما بيّنّاه .
فصل
فصل وقوله تعالى : * ( فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِه ) * ، بعد وصفه الوارثين للكتاب بالصفوة ، فإنّه غير متناقض ، على ما ظنّه السائل ، لأنّه لم يرد بقوله : * ( فَمِنْهُمْ ) * من أعيانهم ، وإنّما أراد أمن ذوي أنسابهم وذراريهم .فأمّا المصطفون ، فقد حرسوا بالاصطفاء من الظلم ووفقوا به للعدل . وكذلك قوله :
* ( ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ) * ، يريد به : من نسلهم وأهلهم وذوي أنسابهم ، وقوله : * ( ومِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ ) * بإذن اللَّه ، كذلك . ولم يرد بالأصناف الثلاثة أعيان من خبّر عن اصطفائه وتوريثه الكتاب ، وهذا يسقط ما توهّمه السائل واعترضته الشبهة في علَّته فيه .
فصل
فصل وقوله تعالى : الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ [1] .معناه ، مصيرهم إلى الفردوس بأعمالهم الصالحة واستحقاقهم الخلود في النعيم ، فشبّههم في ذلك بمن انتقل إليه مال من ماض لحق وإن لم يكن ما ملكوه من ذلك منتقلا من مالك كان له فيما سلف ، فجعل استحقاقهم لنعم الفردوس بأعمالهم ، كاستحقاق ذوي أنساب أموال الماضين من أقربائهم بأنسابهم ، ولم يرد به الميراث الحقيقي ، على ما وصفناه .
وهذا الضرب من المجاز في الميراث معروف عند أهل اللسان ، لا يتناكره منهم اثنان . ولو لم يكن معروفا لوجد المخالفون لرسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله من العرب طريقا إلى القدح في نبوّته صلَّى اللَّه عليه وآله ، ولطعنوا بذلك في القرآن ، وقالوا : قد جئتنا بمعان فيه لا يعقلها أهل اللسان وتجوّزت فيه بما لا يسوغ المجاز في معناه ، وهذا يبطل إضافتك إيّاه إلى اللَّه .