ونهضة الأمم والجماعات لا تكون صحيحة إلَّا عن طريق الاسترشاد بتعاليم القرآن الَّتي روعيت فيها جميع عناصر السعادة للبشر ، وواضح أنّ العمل بهذه التعاليم لا يمكن إلَّا بعد فهم القرآن وتدبّره ، ولذلك منزل القرآن حثّنا بتدبّره فقال سبحانه :
* ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها ) * « 1 » .
والتدبّر في القرآن لا يختصّ بآية دون آية ، ولا بقوم دون قوم آخر ، حيث إنّ القرآن أنزل على قواعد لسان فصحاء العرب ومكالماتهم في أنديتهم وسائر محاوراتهم ، وأجري فيه علم طريقتهم من الاستعمالات الحقيقيّة والمجازيّة والكنائيّة وغيرها ممّا يعرف مداليلها الظاهرة أهل اللسان ، ويعرفها غيرهم بالتعلَّم لقواعد لغتهم ، وأمّا حجيّة جميع تلك الظواهر ، والحكم بكون كلَّها مرادا واقعيّا لله تعالى فقد منعنا القرآن عنه ، حيث صرّح فيه بالتفرقة بين آياته فقال تعالى : * ( مِنْه آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَه مِنْه ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِه وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَه إِلَّا اللَّه والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ . . ) * « 2 » .
جعل قسم المحكمات خاصّة أمّ الكتاب والحجّة الَّتي يرجع إليها ويؤخذ بظواهرها ، وحكم في قسم المتشابهات بالوقوف عن التأويل وإيكال علمه إليه تعالى وإلى من خصّه اللَّه تعالى بإفاضة العلوم اللدنيّة المعبّر عنهم بالراسخين في العلم .
والآراء في تعيين مصداق المحكم والمتشابه مختلفة لكنّ الحقّ المختار لمحقّقي المفسرين أنّ الآيات المحكمات ما يصحّ الأخذ