فان تعلقت بها سميّت عندهم رهبانية ، لاطَّلاعهم على المغيبات الدنيوية الحسية بحسب رياضاتهم ومجاهداتهم ، وإن كان قد يحصل ذلك أيضا لغير المسلمين ، بل لغير بل لغير المليّين كالبراهمة ، والجوكية ، والزنادقية والكهنة ، وأرباب الرياضات الباطلة لأنّ لأنّ ترتّب بعض العلوم والآثار على بعض الأفعال والأحوال من قبيل ترتب الخاصيّة على ذيها ، على أنّه سبحانه قد كتب على نفسه أن لا يردّ سائله ، ولا يخيّب آمله ، فإذا كانت عزيمة الطالب استكشاف بعض الغيوب ، أو استعلام بعض الوقايع فلربما ناله جزاء لما فعله من الأعمال الصالحة التي أجلَّها مخالفة النفس الأمّارة بالسوء ، مجازاة له في العاجل ، كي يخاطب من الآجل فيمن يخاطب بقوله : * ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا واسْتَمْتَعْتُمْ بِها ) * « 1 » ولذا قيل : إن الهمم العالية التي لأهل اللَّه من سلَّاك الأمم وخواصّهم تأبى عن الالتفات فضلا عن الوقوف على هذه الأمور الدنيّة الدنيوية العاجلة فلا يشتغلون بها أصلا ، لاستغراقهم فيما هو أجلّ منه وأعلى وهو الأمور الأخروية ، والتجليّات الغيبية ، والإشراقات النوريّة التي هي أشرف وأبهى ، بل ربما يعد القسم الأوّل من قبيل الاستدراج والمكر ، بل قيل : إنّ أصحاب الكرامات محجوبون ، وإنّهم عن نيل الحقائق لمعزولون ، وإنّ أرباب الحقيقة هم الذين لا يلتفتون إلى المكاشفات الأخروية أيضا .
كما ورد الدنيا حرام على أهل الآخرة والآخرة حرام على أهل الدنيا وهما حرامان على أهل اللَّه تعالى .
وهذا بل غير القسم الأول من القسمين الأخيرين هو المراد بالكشف المعنوي