نعمة اللَّه عليهم لعذبهم عليها ، وهو غير ظالم . قيل لسهل : أي شيء يفعل اللَّه بعبده إذا أحبه ؟ قال : يلهمه الاستغفار عند التقصير ، والشكر له عند النعمة ، وإنما أرادوا بالنية أن يتعرفوا بها نعم اللَّه تعالى عليهم ، فيدوم لهم الشكر ويدوم لهم المزيد . ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْه تَجْئَرُونَ [ 53 ] يعني إياه تدعون عند الفقر والبلاء ، وربما يكون ذلك نعمة من اللَّه عليكم ، إذ لو شاء لابتلاكم بأشد منه ، فيصير ذلك عند أشد البلاء نعمة ، فيجزعون منه ، ولا يصبرون ولا يشكرون . وبلغنا أن اللَّه تعالى أوحى إلى داود عليه السلام فقال : اصبر على المئونة تأتك مني المعونة « 1 » .
[ سورة النحل ( 16 ) : آية 55 ]
[ سورة النحل ( 16 ) : آية 55 ] لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ( 55 ) قوله تعالى : فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [ 55 ] قال : هذا وعد من اللَّه تعالى لكفار مكة على تكذيبهم ، مع ما أنعم اللَّه عليهم في الدنيا ، أنهم سيعلمون جزاء ذلك في الآخرة ، وهذه الآية أيضا وعيد شديد للغافلين على ما قال الرسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : « من أخذ من الدنيا نهمته حيل بينه وبين نهمته في الآخرة حلالها حساب وحرامها عقاب » « 2 » ، وإنما يحاسب المؤمنون بما أخذوا من الحلال فضلا على ما يكفيهم ، فأما من أخذ البلغة من الحلال فهو داخل تحت قوله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : « ليس من الدنيا كسرة يسد بها المؤمن جوعته ، وثوب يواري به عورته ويؤدي فيه فرضه ، وبيت يكنه من حر الشمس وبرد الشتاء » « 3 » .
[ سورة النحل ( 16 ) : آية 67 ]
[ سورة النحل ( 16 ) : آية 67 ] ومِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ والأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْه سَكَراً ورِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( 67 ) قوله : تَتَّخِذُونَ مِنْه سَكَراً ورِزْقاً حَسَناً [ 67 ] قال : هذه الآية نسخت بآية الخمر ، كذا قال إبراهيم « 4 » والشعبي « 5 » . قال سهل : السكر عندي ما يسكر النفس في الدنيا ، ولا تؤمن عاقبته في الآخرة . وقد دخل على سهل أبو حمزة الصوفي « 6 » فقال : أين كنت يا أبا حمزة ؟ قال :
( 1 ) فيض القدير 2 / 318 ، وأعاده في 2 / 319 وبعده : ( وإذا رأيت لي طالبا فكن له خادما ) . ( 2 ) الترغيب والترهيب 4 / 77 ( رقم 4868 ) وشعب الإيمان 7 / 125 ( رقم 9722 ) . ( 3 ) في الترغيب والترهيب 4 / 77 ( رقم 4870 ) : ( روي عن ثوبان رضي اللَّه عنه قال : قلت : يا رسول اللَّه ، ما يكفيني من الدنيا ؟ قال : ما سدّ جوعتك ، ووارى عورتك ، وإن كان لك بيت يظلك فذاك ، وإن كانت لك دابة فبخ . رواه الطبراني في الأوسط ) . ( 4 ) إبراهيم بن أدهم بن منصور ، التميمي ، البلخي ( . . . - 161 ه ) : زاهد مشهور ، تفقه ورحل إلى بغداد ، وجال في العراق والشام والحجاز ، وأخذ عن كثير من العلماء فيها . ( الحلية 7 / 367 ) . ( 5 ) الشعبي : عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار الشعبي الحميري ( 19 - 103 ه ) : راوية ، من التابعين ، يضرب المثل بحفظه . كان فقيها ، شاعرا . استقضاه عمر بن عبد العزيز . ( الحلية 3 / 410 ، وتاريخ بغداد 12 / 227 ) . ( 6 ) أبو حمزة الصوفي : محمد بن إبراهيم الصوفي ( . . . - 270 ه ) : أستاذ البغداديين في التصوف ، وكان عالما بالقراءات . ( تاريخ بغداد 1 / 390 ) .