وقد حكي أن شقيقا قرأ على شريح : « بل عجبت » « 1 » فقال له شريح : « بل عجبت » إن اللَّه لا يعجب من شيء ، إنما يعجب من لا يعلم « 2 » . قال شقيق : فأخبرت به إبراهيم فقال : إن شريحا يعجبه علمه ، وإن ابن مسعود أعلم منه ، وكان يقرأ : « بل عجبت » بالضم . وإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى [ 142 ] فهذه من علامات المنافقين ، حيث خانوا في هذه الأمانة التي تحمّلوها في الظاهر ، واعلم أن للَّه تعالى أمانة في سمعك وبصرك ولسانك وفرجك ، وظاهرك وباطنك ، عرضها عليك ، فإن لم تحفظها خنت اللَّه ، واللَّه لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ [ الأنفال : 58 ] . وقد حكي عن أبي حبان أنه قال : ارتحلت إلى مكة وجئت سعيد بن جبير « 3 » فقلت له : جئتك من خراسان في تأويل قوله عليه الصلاة والسلام : « علامة المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان » « 4 » . ولا أرى أنها في نفسي ، فتبسم سعيد وقال : وقع في سري ما وقع في سرك ، فأتيت علي بن أبي طالب « 5 » وعبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما وقت القيلولة ، فوجدتهما عند البيت ، فسألتهما عن تأويل هذا الحديث فتبسما ، وقالا : لقد أشكل علينا ما أشكل عليك ، فذهبنا إلى النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وقت القيلولة ، فأذن لنا فذكرنا له صلَّى اللَّه عليه وسلَّم هذا ، فتبسم رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وقال : « ألستما على شهادة أن لا إله إلَّا اللَّه ؟ قلنا : بلى . فقال : هل رجعتما عن ذلك ؟ فقلنا : لا . قال : لقد قلتما وصدقتما . ثم قال : ألستما على ما قررتكما عليه من الإيمان باللَّه وملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار والبعث ؟ قلنا : نعم ، كأنها رأي العين . فقال صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : هذا من الإنجاز . ثم قال صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : ألستما تصليان وتسجدان في الصلاة في الخلوة ؟ فقلنا : نعم . فقال : هي الأمانة لا خيانة فيها « .
( 1 ) معجم القراءات القرآنية 4 / 197 ، القراءة رقم 7376 ، وذكر من مصادر القراءة : النشر 2 / 356 والبحر المحيط 7 / 354 والكشاف 3 / 337 . ( 2 ) في معاني القرآن وإعرابه 4 / 300 : ( ومن قرأ « عجبت » فهو إخبار عن اللَّه ، وقد أنكر قوم هذه القراءة ، وقالوا : اللَّه عزّ وجلّ لا يعجب . وإنكارهم هذا غلط . . . والعجب من اللَّه ، خلافه من الآدميين ، كما قال : « ويمكر اللَّه » [ الأنفال : 30 ] و « سخر اللَّه » [ التوبة : 79 ] ، و « هو خادعهم » [ النساء : 142 ] . والمكر من اللَّه والخداع خلافه من الآدميين . . . ) . ( 3 ) سعيد بن جبير الأسدي ، بالولاء ، الكوفي ( 45 - 95 ه ) : تابعي ، كان أعلمهم على الإطلاق . أخذ العلم عن ابن عباس وابن عمر . قتله الحجاج لخروجه على عبد الملك بن مروان . ( الحلية 4 / 272 ) . ( 4 ) صحيح البخاري : كتاب الإيمان ، حديث رقم 33 وصحيح مسلم : كتاب الإيمان ، حديث رقم 124 . ( 5 ) ثمت شك في هذه الرواية ، لأن علي بن أبي طالب قتل سنة 40 ه ، أي قبل ولادة سعيد بن جبير .