قال اللَّه تعالى : كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [ الأعراف : 29 ] يعني ينبغي للموحد أن يعلم يقينا أنه ليس كل من أحب الحق أحبه ، لأن إبليس قابله بعلاء الحب فقال : أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً [ الإسراء : 61 ] وأنت اللَّه لا يجوز أن يعبد غيرك ، حتى لعنه . فليس كل من تقرب إليه قبله وليس كل من أطاعه قبل طاعته ، إنه بصير بما في الضمير ، فلا يأمن أحد أن يفعل به كما فعل بإبليس لعنه بأنوار عصمته ، وهو عنده في حقائق لعنته ، ستر عليه ما سبق منه إليه حتى عاقبه بإظهاره عليه ، فليس للعبد إلَّا استدامة الغوث بين يديه . وقد كان الرسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : « يا ثابت المثبتين ثبتني بثباتك ، يا ثابت الوحدانية لا إله إلَّا أنت ، سبحانك إني كنت من الظالمين » . وكان يقول : « يا ولي الإسلام وأهله ثبتني بالإسلام حتى ألقاك به » « 1 » ، قال : وموضع الإيمان باللَّه تعالى القلب ، وموضع الإسلام الصدر ، وفيه تقع الزيادة والنقصان .
[ سورة آلعمران ( 3 ) : آية 15 ]
[ سورة آلعمران ( 3 ) : آية 15 ] قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ ورِضْوانٌ مِنَ اللَّه واللَّه بَصِيرٌ بِالْعِبادِ ( 15 ) وقوله : وأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ [ 15 ] يعني من الأحداث التي كانت تنالهن في الدنيا من الحيض وغيره ، ألا ترى إلى قوله : وسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً [ الإنسان : 21 ] أي طهرهم به من بقاء أدناس الدنيا .
[ سورة آلعمران ( 3 ) : آية 18 ]
[ سورة آلعمران ( 3 ) : آية 18 ] شَهِدَ اللَّه أَنَّه لا إِله إِلَّا هُوَ والْمَلائِكَةُ وأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِله إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 18 ) قوله : شَهِدَ اللَّه [ 18 ] قال : أي علم اللَّه وبيّن أَنَّه لا إِله إِلَّا هُوَ [ 18 ] شهد لنفسه بنفسه ، وهو خاص لذاته واستشهد من استشهد من خلقه قبل خلقهم بعلمه ، فنبه به أهل معرفته أنه عالم بما يكون قبل كونه ، وأن حقيقة التوحيد ما كان بدون الأكوان ، كما شهد به الحق لنفسه بنفسه قبل الأكوان . وقال عبد الواحد : كنت مع أيوب السختياني فرأى حمالا يحمل الحطب ، فقلت : هل لك برب ؟ فقال : أمثلي يسأل عن ربه . فقلت له : إن كان لك خالق كما تزعم ، فلم اشتغلت بالحطب ؟ فأشار الرجل إلى السماء ، فصار الحطب ذهبا ، فتعجبنا منه لذلك ، ثم قال : اللهم لا حاجة لي إلى هذا ، فتحول الذهب حطبا كما كان ، فقلنا له : ما حملك على هذا ؟ فقال : لأني عبد ، فأحمل هذا كي لا أنسى نفسي « 2 » .
[ سورة آلعمران ( 3 ) : آية 26 ]
[ سورة آلعمران ( 3 ) : آية 26 ] قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 26 ) قوله : قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ [ 26 ] يعني المعرفة والتوحيد وشرائع دينك الإسلام والعاقبة المحمودة ، وهو أن يتولى اللَّه العبد ولا يكله إلى نفسه . قوله : واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعاً ولا تَفَرَّقُوا [ 103 ] أي تمسكوا بعهده وهو التوحيد ، كما قال تعالى : أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً [ مريم : 78 ] أي توحيدا وتمسكوا بما ملككم من تأدية فرضه وسنة نبيه ، وكذلك قوله : إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّه [ 112 ] معناه إلَّا بعهد من اللَّه ودينه ، وإنما سماه
( 1 ) مجمع الزوائد 10 / 136 والمعجم الأوسط 1 / 206 . ( 2 ) نسب مثل هذا الخبر إلى حيوة بن شريح في كرامات الأولياء ص 193 وتهذيب الحفاظ ص 87 وأيضا نسب إلى التستري في الحلية 10 / 210 .