ليسارها عليه بمعلومه فيها خواطر وهمما ، يأمرها بإدامة الافتقار واللجأ إليه ، إن أبدى عليها طاعة قالت : أعني ، وإن حركت إلى معصية قالت : اعصمني ، وإن حركت إلى نعمة قالت : أوزعني ، وإن قال لها : اصبري على البلاء ، قالت : صبرني ، ولا يساكن قلبه أدنى وسوسة لها دون الرجوع عنها إلى ربه ، وجعل طبعها في الأمر ساكنا ، وفي النهي متحركا ، وأمره بأن يسكن عن المتحرك ، ويتحرك عن الساكن بلا حول ولا قوة إلَّا باللَّه ، أي لا حول له عن معصيته إلَّا بعصمته ، ولا قوة له على طاعته إلَّا بمعونته ، ثم أمره بدخول الجنة والأكل منها رغدا حيث شاء . ونص عليه النهي عن الأكل من الشجرة ، فلما دخل الجنة ورأى ما رأى قال : لو خلدنا ، وإنما لنا أجل مضروب إلى غاية معلومة . فأتاه إبليس من قبل مساكنة قلبه بوسوسة نفسه في ذلك ، فقال : هل أدلك على شجرة الخلد التي تتمناها في هذه الدار ، وهي سبب البقاء والخلود : وقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِه الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ [ الأعراف : 20 ] فكانت دلالته هذه غرورا . وألحق اللَّه عزّ وجلّ به وسوسة العدو لسابق علمه فيه ، وبلوغ تقديره وحكمه العادل عليه . وأول نسيان وقع في الجنة نسيان آدم عليه السلام ، وهو نسيان عمد لا نسيان خطأ ، يعني ترك العهد . قال سهل : بلغني عن بعض التابعين أنه قال : النسيان في كتاب اللَّه عزّ وجلّ على وجهين : الترك ، كما قال في سورة البقرة : أَوْ نُنْسِها [ 106 ] أي نتركها فلا ننسخها ، ومثله قوله : ولا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [ 237 ] أي لا تتركوا الفضل بينكم ، كذلك في طه : فَنَسِيَ [ طه : 88 ] يعني ترك العهد ، ومثله في تنزيل السجدة : فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ [ السجدة : 14 ] أي تركناكم في العذاب كما تركناكم من العصمة عند الإقامة على الإصر . قال : والوجه الآخر النسيان هو الذي لا يحفظ فيذهب من ذكره ، كما قال في الكهف : فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ [ الكهف : 63 ] أي لم أحفظ ذكره ، وذلك أن اللَّه تعالى جعل للشيطان شركة مع نفس الجبلة فيما هو من حظوظها الذي هو شيء غير اللَّه تعالى ، وقول موسى للخضر : لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ [ الكهف : 73 ] أي ذهب مني ذكره ، وقال في سبح : سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى [ الأعلى : 6 ] أي سنحفظك فلا تنسى ، وهذا لإطراقه إلى تدبير نفسه . ولم تكن فكرته اعتبارا ، فكانت تكون عبادة ، وإنما كانت فكرة بطبع نفس الجبلة ، وهذا حكم اللَّه تعالى به قبل خلق السماوات والأرض أنه لا يرى بقلبه عنده شيئا ، وهو غيره مساكنا