« اقرؤوا القرآن بلحون العرب من غير تكلف لغيرها ، ولا تقرؤه بلحون أهل الكنائس والبيع وأهل الأهواء والبدع ، فإني وأمتي الأتقياء براء من التكلف ، وإنه سيأتي أقوام من بعدي يرجّعون فيه أصواتهم ترجع القينات بالأغاني ، مفتونة قلوبهم فتانة لقلب السامع ، أولئك هم الغافلون » « 1 » . قال سهل : وإني أخاف بعد ثلاثمائة إلى ما فوقها أن يندرس القرآن بالتشاغل بالألحان والقصائد والأغاني ، قيل له : وكيف ذلك يا أبا محمد ؟ فقال : لأنهم ما أحدثوا هذه الألحان والقصائد والأغاني إلَّا للتكسّب بها ، حتى ملك إبليس قلوبهم ، كما ملك قلوب شعراء الجاهلية ، وحرموا فهم القرآن والعمل للَّه به . وقد حكى محمد بن سوار عن ابن أبي ذئب « 2 » عن محمد بن عبد الرحمن « 3 » عن ثوبان « 4 » أنه سمع النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : « سماع الأغاني ينسي القرآن ويشغل عن الذكر » . قال أبو بكر : كان أبو سعيد الخراز « 5 » مقيما بمكة ، وكان من أشد الناس محبة للسماع من قصائد الجذل وأشعار الغزل ، فأخبرني غلامه أبو الأذنين أنه رآه بعد موته في المنام ، وقال له : ما فعل اللَّه بك يا أبا سعيد ؟ فقال : غفر لي بعد توبيخ وددت أنه أمر بي إلى النار ولم يوبخني . فقلت له : ولم ذلك ؟ قال : أوقفني الحق بين يديه من وراء حجاب الخوف ، وقال لي : حملت أمري على ليلى وسعدى ، ولو لا أنك وقفت لي وقفة أردتني بها لأمرت بك إلى النار ، فلما أن زال حجاب الخوف إلى حجاب الرضا قلت : يا إلهي لم أجد من يحمل عني ما حملتني غيرك فأشرت إليك ، قال : صدقت ، وأمر بي إلى الجنة ، واللَّه أعلم .
( 1 ) نوادر الأصول 3 / 255 وشعب الإيمان 2 / 540 ( رقم 2649 ) ومجمع الزوائد 7 / 169 والمعجم الأوسط 7 / 183 . ( 2 ) ابن أبي ذئب : محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة ، من بني عامر ( 80 - 158 ه ) : تابعي ، من رواة الحديث من أهل المدينة ، كان يفتي بها . ( الأعلام 6 / 189 ) . ( 3 ) محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي بالولاء ( . . . - 123 ه ) : مقرىء أهل مكة بعد ابن كثير ، وأعلم قرائها بالعربية ، كان لا بأس به في الحديث . ( الأعلام 6 / 189 ) . ( 4 ) ثوبان بن يجدد ، أبو عبد اللَّه ( . . . - 54 ه ) : مولى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، اشتراه النبي ثم أعتقه ، فلم يزل يخدمه إلى أن مات ، فخرج ثوبان إلى الشام ، واستقر بحمص ، وتوفي بها . ( الأعلام 2 / 102 ) . ( 5 ) أبو سعيد الخراز : عبد الرحيم بن عبد اللَّه بن عبد الرحيم بن البرقي ( . . . - 286 ه ) : شيخ الصوفية ، وراوي السيرة . قال السلمي : هو إمام القوم في كل فن من علومهم . ( سير أعلام النبلاء 13 / 420 وتذكرة الحفاظ 2 / 637 ) . وثمت رجل آخر اسمه أبو سعيد الخراز ، وهو أحمد بن عيسى البغدادي الصوفي ( . . . - 277 أو 286 ه ) من كبار شيوخ الصوفية ، وأحد المذكورين بالورع والمراقبة ، وحسن الرعاية والمجاهدة . ( تاريخ بغداد 4 / 276 ) .