[ سورة النصر ( 110 ) : الآيات 1 الى 3 ] بِسْمِ اللَّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّه والْفَتْحُ ( 1 ) ورَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّه أَفْواجاً ( 2 ) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْه إِنَّه كانَ تَوَّاباً ( 3 ) قوله تعالى : إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّه [ 1 ] قال : إذا جاء نصر اللَّه لدينك والفتح لدينك . ورَأَيْتَ النَّاسَ [ 2 ] وهم أهل اليمن . يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّه أَفْواجاً [ 2 ] زمرا ، القبيلة بأسرها ، والقوم بأجمعهم ، فانصر روحك على نفسك بالتهيؤ للآخرة لأنه منها ، فالنفس تريد الدنيا لأنها منها ، والروح تريد الآخرة لأنه منها ، فانصر على النفس وافتح له باب الآخرة بالتسبيح والاستغفار لأمتك . وكان يستغفر بعد ذلك ويسبح بالغداة مائة مرة ، وبالعشي مائة مرة ، واجتهد في العبادة ليلا ونهارا حتى تورمت قدماه ، واحمرت عيناه ، واصفرت وجنتاه ، وقلّ تبسمه ، وكثر بكاؤه وفكرته . وقد حكي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قال : لما نزلت هذه السورة واستبشر بها أصحاب النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بكى أبو بكر « 1 » رضي اللَّه عنه بكاء شديدا فقال له رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : « ما يبكيك ؟ قال : نعيت لك نفسك يا رسول اللَّه . فقال له النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : صدقت » ، ثم قال : « اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل » « 2 » ، وهذا تعليم لأمته بالدين والتسبيح . وقد قال الربيع بن خيثم رحمه اللَّه تعالى : أقلوا الكلام إلا من تسع : سبحان اللَّه ، والحمد للَّه ، ولا إله إلا اللَّه ، واللَّه أكبر ، وقراءة القرآن ، وأمر بالمعروف ، ونهي عن المنكر ، ومسألة خير ، وتعوذ من شر « 3 » . إِنَّه كانَ تَوَّاباً [ 3 ] أي رجاعا يقبل التوبة ، كلما تاب العبد إليه . واعلم أن إلهنا أكرم من أن يكون معك على نفسك ، فإنه قال : إِنَّ اللَّه يُحِبُّ التَّوَّابِينَ [ البقرة : 222 ] فإن كنت عليها كان معها بالعفو ، وإن كنت معها على أمر اللَّه ونهيه كان عليك ، فمن وافق أمر اللَّه على هواه كان ناجيا ، ومن وافق هواه على أمر اللَّه كان هالكا ، وإنّ أمر اللَّه تعالى مرّ وهوى النفس حلو ، فما مثالها إلا كالأطعمة اللذيذة قد يحصل فيها الصبر ، والدواء يشرب مع مرارته لما جعل فيه من المنافع . وكان بعض الصالحين يقول : وا سوأتاه ، وإن عفوت . فمنهم من يحذر الرد ، ومنهم من يبكي خجلا ، وإن عفي عنه . واللَّه سبحانه وتعالى أعلم .
( 1 ) ليس في كتب الحديث ما يشير إلى أن أبا بكر هو من عرف أن في هذه السورة نعي النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ، بل هو ابن عباس . انظر : صحيح البخاري : باب تفسير سورة النصر ، رقم 4685 - 4686 ، وباب المناقب ، رقم 3428 وتحفة الأحوذي 9 / 208 . ( 2 ) صحيح البخاري : باب وضع الماء عند الخلاء ، رقم 142 والمستدرك على الصحيحين ، رقم 2680 ومسند أحمد 1 / 335 ومصنف ابن أبي شيبة 6 / 383 ومجمع الزوائد 9 / 276 والمعجم الصغير 1 / 327 والمعجم الكبير 10 / 263 ، 11 / 110 ، 12 / 70 والمعجم الأوسط 4 / 113 ، 273 . ( 3 ) الحلية 2 / 109 .