رحمة له . . فما صبرك على دائك ، وجلدك على مصابك ، وعزاك عن البكاء على نفسك وهي أعز الأنفس عليك ؟ ! وكيف لا يوقظك خوف بيات نقمة وقد تورطت بمعاصيه مدارج سطواته ؟ ! فتداو من داء الفترة في قلبك بعزيمة ، ومن كرى الغفلة في ناظرك بيقظة . وكن لله مطيعا ، وبذكره آنسا . وتمثل في حال توليك عنه إقباله عليك ، يدعوك إلى عفوه ، ويتغمدك بفضله ، وأنت متول عنه إلى غيره . فتعالى من قوي ما أكرمه ، وتواضعت من ضعيف ما أجرأك على معصيته وأنت في كنف ستره مقيم ، وفي سعة فضله متقلب ، فلم يمنعك فضله ولم يهتك عنك ستره ، بل لم تخل من لطفه مطرف عين ، في نعمة يحدثها لك ، أو سيئة يسترها عليك ، أو بلية يصرفها عنك . فما ظنك به لو أطعته ؟ ! وأيم الله لو أن هذه الصفة كانت في متفقين في القوة ، متوازيين في القدرة ، لكنت أول حاكم على نفسك بذميم الأخلاق ومساوي الأعمال . وحقا أقول ما الدنيا غرتك ولكن بها اغتررت ! ولقد كاشفتك العظات وآذنتك على سواء . . ولهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك والنقص في قوتك ، أصدق وأوفى من أن تكذبك أو تغرك . ولرب ناصح لها عندك متهم ، وصادق من خبرها مكذب . ولئن تعرفتها في الديار الخاوية والربوع الخالية لتجدنها من حسن تذكيرك وبلاغ موعظتك بمحلة الشفيق عليك والشحيح بك ! ولنعم دار من لم يرض بها دارا ، ومحل من لم يوطنها محلا . وإن السعداء بالدنيا غدا هم الهاربون منها اليوم إذا رجفت الراجفة ، وحقت بجلائلها القيامة ، ولحق بكل منسك أهله ، وبكل معبود عبدته ، وبكل مطاع أهل طاعته ، فلم يجز في عدله وقسطه يومئذ خرق بصر في الهواء ، ولا همس قدم في الأرض إلا بحقه . فكم حجة يوم ذاك داحضة ، وعلائق عذر منقطعة ! فتحر من أمرك ما يقوم به عذرك ، وتثبت به حجتك ، وخذ ما يبقى لك مما لا تبقى له ، وتيسر لسفرك ، وشم برق النجاة ، وارحل مطايا التشمير ) . نهج البلاغة ج 2 ص 213