كما يلاحظ استغراب السائل لهذه الرواية والفتوى ! فأجابه الشافعي بأن الرواية صحيحة ولم يصل إلينا استنكار أحد من الصحابة لعمل عائشة وإقرار أبي بكر . والقاعدة عند الشافعي أنه إذا فعل الصحابي شيئا فهو جائز وحجة على غيره ، إلا إذا عارضه صحابي آخر ، ويشترط أن يكون الصحابي المعارض من الصحابة الذين تؤثر معارضتهم عند الإخوة السنيين . . فبعض الصحابة عندهم لا تضر معارضتهم ، وبعضهم تضر ! ثم أراد الشافعي أن يقنع المعترض أكثر فقاس الرقية على حلية طعام أهل الكتاب وحلية الزواج منهم ، ولكنه قياس مع الفارق ، لأن أكل طعامهم والتزوج منهم ليس اعترافا بعقائدهم وثقافتهم . . بينما الرقية في أقل مدلولاتها احترام لثقافة الراقي الروحية ، واعتراف بصلاحه عند الله تعالى ! وكان الأجدر بمثل الشافعي أن يقول : إن هذا النوع من العمل الذي كانت تقوم به عائشة وأمثالها من نساء قريش أو الأنصار ، لم يثبت إمضاء من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وبما أن آيات القرآن حاسمة في أمر اليهود والنصارى ، وأحاديثه هو صلى الله عليه وآله . . فإن من البعيد أن يمضيه . واحتمال إمضاء النبي لا يكفي في إثبات المشروعية ، فاحتط لدينك واتركه . على أي حال ، كان الجو العام عند نساء قريش في الجاهلية وعند نساء الأنصار أيضا أنهن يحترمن الثقافة اليهودية ، وكذلك رجالهن ، بل يوجد نص عن ابن عباس أنه كان يوجد في الأنصار جو تقليد ثقافي لليهود . ويبدو أن رواسب من ذلك بقيت في أذهان البعض حتى بعد الإسلام ! الخليفة عمر واليهود إن معرفة هذا الجو في الجزيرة من التأثر العام بثقافة اليهود ، تمكننا من تفسير مواقف الخليفة عمر تجاه الثقافة اليهودية . . فقد كان من صغره قبل الإسلام يحترم هذه الثقافة كثيرا ، وتدل عدة نصوص على أنه استمر على احترامها حتى وهو إلى جانب النبي صلى الله عليه وآله ، ثم عندما صار خليفة .