وإذا نظرنا إلى واقع المسلمين الشيعة والسنة نجدهم مجمعين والحمد لله على صحة نسخة القرآن الموجودة في طول بلاد الشيعة وعرضها ، وطول بلاد السنة وعرضها ، لا يعرفون قرآنا غيرها . فكيف يصح لكاتب والحال هذه أن يصدر حكمه ويقول : إن الطائفة الفلانية يعتقدون بالأمر الفلاني أو لا يعتقدون به ، فإن كلمة ( يعتقدون ) تعني أن ذلك الأمر موجود في مصادرهم ويقبله علماؤهم ويعتقدون به ويدرسونه لعوامهم ، فهو من عقائدهم المعاشة في مجتمعاتهم ، كعقيدة الإمامة ، وانتظار الإمام المهدي عليه السلام ، عند الشيعة . إن الفرق كبير بين وجود مطلب في مصادر طائفة من المسلمين ، وبين أن يكون مقبولا عند بعض علمائها أو كلهم . . وحتى لو كان مقبولا عند بعض العلماء فلا يعني ذلك أنه صار من عقائد طائفتهم ، إلا إذا كان أولئك العلماء باعتراف الطائفة ممثلين لمذهبها . فطبيعة المشكلة إذن نظرية محضة لا عملية ، لأن العلماء المعاصرين من السنة والشيعة لا يأخذون بهذه الروايات ، بل يردونها أو يؤولونها . . فلا معنى لإصرار الكاتب على تحويلها إلى مشكلة عملية إلا أنه صاحب جدل وهدف غير نزيه . . وهذا ما ارتكبته الكتابات التي اتهمت الشيعة بأنهم لا يؤمنون بالقرآن ! فلو عكسنا القضية وقلنا إن السنة يعتقدون بتحريف القرآن ، لأن روايات التحريف موجودة في مصادرهم ، فهل يقبل ذلك منا أمثال هذا الكاتب ؟ ! وإذا استخرجنا له روايات التحريف من مصادرهم وقبلها منا بسبب ضعفه أو جهله ، فهل نكون موضوعيين في حكمنا على السنة بأنهم يعتقدون بتحريف القرآن ؟ كلا ، إن غاية ما نستطيع قوله : إنه توجد في مصادرهم روايات تدل على تحريف القرآن ، ولا ندري موقف علمائهم المعاصرين منها ، فقد يقبلونها وقد لا يقبلونها . . ثم إذا قبلوها وأولوها بتأويلات لا تتنافى باعتقادهم مع صيانة القرآن ، فهل يصح التهريج عليهم بأنكم اعتقدتم بتحريف القرآن وخرجتم بذلك عن الإسلام . . إلى آخر الأحكام التي أصدرها على الشيعة خصومهم ؟ !