فإن قيل : أصل " على " الاستعلاء ، والهدى لا يستعلى عليه فكيف يصح معناها هاهنا ؟ .
قيل : معنى الاستعلاء حاصل ، لأن منزلتهم علت باتباع الهدى ، ويجوز أن يكون لما كانت أفعالهم كلها على مقتضى الهدى كان تصرفهم بالهدى كتصرف الراكب بما يركبه .
قوله تعالى ( من ربهم ) في موضع جر صفة لهدى ، ويتعلق الجار بمحذوف تقديره هدى كائن وفى الجار والمجرور ضمير يعود على الهدى ، ويجوز كسر الهاء وضمها على ما ذكرنا في عليهم في الفاتحة .
قوله تعالى ( وأولئك ) مبتدأ و ( هم ) مبتدأ ثان و ( المفلحون ) خبر المبتدأ الثاني ، والثاني خبره خبر الأول ، ويجوز أن يكون هم فصلا لا موضع له من الإعراب ، والمفلحون خبر أولئك ، والأصل في مفلح مؤفلح ، ثم عمل فيه ما ذكرناه في يؤمنون .
قوله تعالى ( سواء عليهم ) رفع بالابتداء ، أأنذرتهم أم لم تنذرهم جملة في موضع الفاعل وسدت هذه الجملة مسد الخبر ، والتقدير يستوى عندهم الإنذار وتركه ، وهو كلام محمول على المعنى ، ويجوز أن تكون هذه الجملة في موضع مبتدإ وسواء خبر مقدم ، والجملة على القولين خبر أن ، ولا يؤمنون لا موضع له على هذا ويجوز أن يكون سواء خبر أن وما بعده معمول له ، ويجوز أن يكون لا يؤمنون خبر أن ، وسواء عليهم وما بعده معترض بينهما ، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر وسواء مصدر واقع موقع اسم الفاعل وهو مستو ، ومستو يعمل عمل يستوى ، ومن أجل أنه مصدر لا يثني ولا يجمع ، والهمزة في سواء مبدلة من ياء لأن باب طويت وشويت أكثر من باب قوة وحوة فحمل على الأكثر .
قوله تعالى ( أأنذرتهم ) قرأ بن محيصن بهمزة واحدة على لفظ الخبر ، وهمزة الاستفهام مرادة ولكن حذفوها تخفيفا ، وفى الكلام ما يدل عليها وهو قوله : أم لم ، لأن أم تعادل الهمزة ، وقرأ الأكثرون على لفظ الاستفهام ثم اختلفوا في كيفية النطق به ، فحقق قوم الهمزتين ولم يفصلوا بينهما وهذا هو الأصل ، إلا أن الجمع بين الهمزتين مستثقل لأن الهمزة نبرة تخرج من الصدر بكلفة فالنطق بها يشبه التهوع ، فإذا اجتمعت همزتان كان أثقل على المتكلم ، فمن هنا لا يحققهما أكثر العرب ، ومنهم من يحقق الأولى ويجعل الثانية بين بين : أي بين الهمزة والألف ، وهذه في الحقيقة همزة