قوله تعالى ( وقد فرضتم ) في موضع الحال ( فنصف ) أي فعليكم نصف أو فالواجب نصف ، ولو قرئ بالنصب لكان وجهه : فأدوا نصف ما فرضتم ( إلا أن يعفون ) أن والفعل في موضع نصب ، والتقدير : فعليكم نصف ما فرضتم إلا في حال العفو ، وقد سبق مثله في قوله " إلا أن يخافا " بأبسط من هذا ، والنون في يعفون ضمير جماعة النساء ، والواو قبلها لام الكلمة لأن الفعل هنا مبنى ، فهو مثل يخرجن ويقعدن ، فأما قولك الرجال يعفون ، فهو مثل النساء يعفون في اللفظ ، وهو مخالف له في التقدير ، فالرجال يعفون أصله يعفوون مثل يخرجون ، فحذفت الواو التي هي لام وبقيت واو الضمير ، والنون علامة الرفع ، وفى قولك النساء يعفون لم يحذف منه شئ على ما بينا ( وأن تعفوا ) مبتدأ ، و ( أقرب ) خبره ، و ( للتقوى ) متعلق بأقرب ، ويجوز في غير القرآن أقرب من التقوى ، وأقرب إلى التقوى ، إلا أن اللام هنا تدل على معنى غير معنى إلى وغير معنى من ، فمعنى اللام العفو أقرب من أجل التقوى ، فاللام تدل على علة قرب العفو ، وإذا قلت أقرب إلى التقوى كان المعنى مقارب التقوى ، كما تقول : أنت أقرب إلي ، وأقرب من التقوى يقتضى أن يكون العفو والتقوى قريبين ، ولكن العفو أشد قربا من التقوى ، وليس معنى الآية على هذا بل على معنى اللام ، وتاء التقوى مبدلة من واو وواوها مبدلة من ياء لأنه من وقيت ( ولا تنسوا الفضل ) في " ولو تنسوا " من القراءات ووجهها ما ذكرناه في اشتروا الضلالة ( بينكم ) ظرف لتنسوا أو حال من الفضل ، وقرئ " ولا تناسوا الفضل " على باب المفاعلة ، وهو بمعنى المتاركة لا بمعنى السهو .
قوله تعالى ( حافظوا ) يجوز أن يكون من المفاعلة الواقعة من واحد ، كعاقبت اللص وعافاه الله ، وأن يكون من المفاعلة الواقعة من اثنين ، ويكون وجوب تكرير الحفظ جاريا مجرى الفاعلين ، إذ كان الوجوب حاثا على الفعل ، فكأنه شريك الفاعل الحافظ ، كما قالوا في قوله " وإذ واعدنا موسى " فالوعد كان من الله والقبول من موسى ، وجعل القبول كالوعد ، وفى حافظوا معنى لا يوجد في احفظوا ، وهو تكرير الحفظ ( الصلاة الوسطى ) خصت بالذكر وإن دخلت في الصلوات تفضيلا لها والوسطى فعلى من الوسط ( لله ) يجوز أن تتعلق اللام بقوموا ، وإن شئت ( بقانتين ) .
قوله تعالى ( فرجالا ) حال من المحذوف تقديره : فصلوا رجالا أو فقوموا رجالا ، ورجالا جمع راجل كصاحب وصحاب ، وفيه جموع كثيرة ليس هذا موضع