الرئيسي للانحراف هو عدم اشباع الحاجات الانسانية الأساسية للمنحرفين من قبل النظام الاجتماعي . فالانحراف عموماً لا يحتاج إلى معلم ؛ فالسارق الجائع يعرف بالغريزة كيف يفعل فعلته ، والقاتل يعرف بالغريزة كيف يقتل ، والغاصب في مجتمع منحل يعرف كيف يتعامل مع ضحيته . وفي كل هذه الجرائم يكون الدافع والحاجة عاملين مهمين من عوامل ارتكاب الفعل نفسه . أضف إلى ذلك : ان هذه النظرية تقصر عن التمييز ما بين الانحراف الاقتصادي والانحراف الأخلاقي والسياسي ، وتعجز عن تفسير ظهور الانحراف بين افراد الطبقة الرأسمالية الذين لا يرتبطون بأية فئة منحرفة اجتماعياً .
ويعتقد ( أميلي ديركهايم ) مؤسس نظرية ( القهر الاجتماعي ) بأن الانحراف ظاهرة اجتماعية ناتجة عن القهر والتسلط الاجتماعي الذي يمارسه بعض الافراد ضد البعض الآخر [1] . فالفقر باعتباره انعكاساً صارخاً لانعدام العدالة الاجتماعية بين الطبقات ، يولد رفضاً للقيم والأخلاق الاجتماعية التي آمن بها الرعيل الأكبر من افراد النظام الاجتماعي . وما الانحراف الا صورة من صور ذلك الرفض الاجتماعي .
والفرد الذي لا يصل إلى تحقيق أهدافه عن طريق الوسائل المقررة اجتماعياً ، يسلك مسلكاً منحرفاً يؤدي به إلى هدفه كالسرقة ، والرشوة ، والبيع الذي يحرمه القانون . وهنا يلعب القهر الاجتماعي دوراً في توليد ضغط لدى بعض الافراد كي ينحرفوا اجتماعياً .