وهذه الرابطة الانسانية التي يعلنها الاسلام بكل صراحة ويطبقها في كل احكامه وتشريعاته ، تميزه عن بقية الأديان والعقائد في الاهتمام بكرامة الانسان واشباع حاجاته الأساسية ، فيصرح القرآن المجيد بكل وضوح منادياً : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [1] . فالتفاضل الإلهي بين الافراد يستند - في الأصل - على الجهد البشري في العمل الاجتماعي والصفاء الروحي والشخصي للفرد ، وحق الطاعة للخالق عز وجل ؛ لأن جعل الافراد عن طريق الاجتماع شعوباً متميزة يحتاج بصورة أساسية إلى جهودهم في التعاون والتكاتف لبناء صرح الأنظمة الاجتماعية العظيمة .
ولما كان المجتمع الانساني مبنياً على تفاوت قابليات الافراد في التحصيل وبذل الجهد أولاً ، ولما كانت الثروة العينية والقيمية في تحرك وتداول مستمر بين الافراد ثانياً ، أصبح نشوء الاختلاف في تملك الثروة وبذلها أمراً حتمياً . ويدل هذا الاختلاف على تنوع وتفاوت الأدوار والوظائف الاجتماعية بين الافراد ؛ وهذا التنوع يتطلب اختلافاً في درجات العيش ضمن الطبقة الواحدة فحسب ، ولا يتطلب تعدداً للطبقات الاجتماعية كما تؤكد المدرسة التوفيقية .
وبطبيعة الحال ، فان الاسلام لم يتعامل مع مشكلة الفقر تعاملاً هامشياً ، بل دخل في معترك الصراع الاجتماعي مسلحاً بضوابطه الشرعية الدقيقة في تضييق الفوارق الطبقية . فشرع - أولاً - أصالة اشباع حاجات الافراد الأساسية من الطعام واللباس والسكن . وأمضى ما أقره الارتكاز