ألا ترى أن الخاطر « 1 » إذا ورد على المكلف وخوفه من ترك النظر ، فانه يجب عليه النظر ، ولا يجب عليه القبول منه قبل أن يعلم صحته من فساده .
وكذلك إذا ادعى مدع النبوة وان معه شرعا وجب عليه أن ينظر في معجزته ولا يجب عليه القبول منه .
فصل : قوله « وإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْه هذِه إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً » الاية : 124 .
قال الجبائي : يقوله المنافقون لضعفة المؤمنين على وجه الاستهزاء ، فأخبر اللَّه تعالى أنه متى نزلت سورة من القرآن قال المنافقون على وجه الاستهزاء والإنكار : « أيكم زادته هذه ايمانا » .
ثم قال تعالى « فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً » بمعنى ازدادوا عندها ايمانا ، وانما أضافه الى السورة لان عندها ازدادوا .
ووجه زيادة الايمان أنهم يصدقون بأنها من عند اللَّه ويعترفون بذلك ويعتقدونه وذلك زيادة اعتقاد على ما كانوا معتقدين .
فصل : قوله « ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّه قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ » الاية : 127 .
« صَرَفَ اللَّه قُلُوبَهُمْ » يعني : من رحمته عقوبة لهم « بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ » مواعظ اللَّه ولا أمره ونهيه .
والفقه فهم موجب المعنى المضمن به ، وقد صار علما على علم الفتيا في الشريعة لان معتمده على المعنى ، وكان القوم عقلاء يفقهون الأشياء .
وانما نفى عنهم اللَّه ذلك لأنهم لم ينظروا فيه ولم يعملوا بموجبه ، فكأنهم لم يفقهوه ، كما قال « صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ » « 2 » لما لم ينتفعوا بما سمعوه ورأوه .