كيف يجوز التمني إلى الدنيا مع العلم بعدمه ؟
قوله تعالى : « ولو ترى إذ وقفوا على ربهم »
فصل : قوله « ولَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ ولا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا » الاية : 27 .فان قيل : كيف يجوز أن يتمنوا الرد الى الدنيا وقد علموا عند ذلك أنهم لا يردون ؟
قيل : عن ذلك أجوبة : أحدها - قال البلخي : انا لا نعلم أن أهل الاخرة يعرفون جميع أحكام الاخرة ، وانما نقول : انهم يعرفون اللَّه بصفاته معرفة لا يتخالجهم فيها الشك لما يشاهدونه من الآيات والعلامات الملجئة لهم الى المعارف . وأما التوجع والتأوه والتمني للخلاص والدعاء بالفرج يجوز أن يقع منهم ، وأن يدعوهم أنفسهم اليه .
وقال أبو علي الجبائي والزجاج : يجوز أن يقع منهم التمني للرد ولئن يكونوا من المؤمنين ولا مانع منه .
فصل : قوله « ولَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ » الاية : 30 .
قد ظن قوم من المشبه أن قوله « إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ » أنهم يشاهدونه . وهذا فاسد ، لان المشاهدة لا يجوز الا على الأجسام ، أو على ما هو حال في الأجسام ، وقد ثبت حدوث ذلك أجمع ، فلا يجوز أن يكون تعالى بصفة ما هو محدث .
وقد بينا أن المراد بذلك وقوفهم على عذاب ربهم وثوابه وعملهم بصدق ما أخبرهم به في دار الدنيا ، دون أن يكون المراد به رؤيته تعالى ومشاهدته ، فبطل ما ظنوه وأيضا فلا خلاف أن الكفار لا يرون اللَّه . والاية مختصة بالكافرين ، فكيف يجوز أن يكون المراد بها الرؤية ، فلا بد للجمع من التأويل الذي بيناه .
فصل : قوله « قَدْ نَعْلَمُ إِنَّه لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ ولكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّه يَجْحَدُونَ » الاية : 33 .
يحتمل الكلام والقراءة بالتشديد وجوها :
أحدها : أنهم لا يكذبونك بحجة يأتون بها ، أو برهان يدل على كذبك ، لان