اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله كرارا غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح اللَّه على يديه . فدفعها الى أمير المؤمنين عليه السّلام . وكان من ظفره ما وافق خبر الرسول عليه السّلام .
ثم قال : « أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ » فوصف من عناه بالتواضع للمؤمنين والرفق بهم والعزة على الكافرين ، والعزيز على الكافرين هو الممتنع من أن ينالوه مع شدة نكايته فيهم ووطأته عليهم . وهذه أوصاف أمير المؤمنين التي لا يداني فيها ولا يقارب .
ثم قال « يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّه ولا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ » فوصف جل اسمه من عناه بهذا الجهاد وبما يقتضي فيه ، وقد علمنا أن أصحاب الرسول عليه السّلام بين رجلين رجل لا عناء له في الحرب ولا جهاد ، وآخر له جهاد وعناء .
ونحن نعلم قصور كل مجاهد عن منزلة أمير المؤمنين عليه السّلام في الجهاد ، فإنهم مع علو منزلتهم في الشجاعة وصدق البأس لا يلحقون منزلته ولا يقاربون رتبته ، لأنه عليه السّلام المعروف بتفريج الغمم وكشف الكرب عن وجه الرسول عليه السّلام ، وهو الذي لم يحم قط عن قرن ، ولا نكص عن هول ولا ولي الدبر . وهذه حالة لم تسلم لاحد قبله ولا بعده ، فكان عليه السّلام بالاختصاص بالاية أولى لمطابقة أوصافه لمعناها .
فأما من قال : انها نزلت في أبي بكر ، فقوله بعيد من الصواب ، لأنه تعالى إذا كان وصف من أراده بالاية بالعزة على الكافرين وبالجهاد في سبيله مع اطراح خوف اللوم ، كيف يجوز أن يظن عاقل توجه الاية الى من لم يلزمه حظ في ذلك الموقف .
لان المعلوم أن أبا بكر لم يكن له نكاية في المشركين ، ولا فتيل في الإسلام ولا وقف في شيء من حروب النبي عليه السّلام موقف أهل البأس والعناء ، بل كان الفرار سننه والهرب ديدنه ، وقد انهزم عن النبي عليه السّلام في مقام بعد مقام ، فانهزم يوم أحد ويوم حنين وغير ذلك ، فكيف يوصف بالجهاد في سبيل اللَّه على ما وصف في الاية من لا جهاد له جملة .