وقوله « ولا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ » أي : لا يرحمهم ، وفي ذلك دلالة على أن النظر مع تعديته بحرف « الى » لا يفيد الرؤية ، لأنه لا يجوز حملها في الاية على أنه لا يراهم بلا خلاف .
وقوله « ولا يُزَكِّيهِمْ » معناه : لا يحكم بزكائهم دون أن يكون معناه لا يفعل الايمان الذي هو الزكاء لهم ، لأنهم في ذلك والمؤمنين سواء ، فلو أوجب ما زعمت المجبرة لكان لا يزكيهم ولا يزكي المؤمنين أيضا في الاخرة ، وذلك باطل .
فصل : قوله « وإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوه مِنَ الْكِتابِ وما هُوَ مِنَ الْكِتابِ ويَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّه وما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّه ويَقُولُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِبَ وهُمْ يَعْلَمُونَ » الاية : 78 .
قوله « وما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّه » دلالة على أن المعاصي ليست من عند اللَّه بخلاف ما تقوله المجبرة ، ولا من فعله لأنها لو كانت من فعله لكانت من عنده ، وليس لهم أن يقولوا أنها من عنده خلقا وفعلا ، وليست من عنده إنزالا ولا أمرا ، وذلك أنها لو كانت من عنده فعلا أو خلقا لكانت من عنده على آكد الوجوه ، فلم يجز اطلاق النفي بأنها ليست من عنده .
فان قيل : أليس الايمان عندكم من عنده ؟ ومع ذلك ليس من عنده من كل الوجوه ، فهلا جاز مثل ذلك في تأويل الاية ؟ .
قيل : لا يجوز ذلك ، لأن اطلاق النفي يوجب العموم ، وليس كذلك اطلاق الإثبات ، ألا ترى أنك تقول : ما عندي طعام ، فإنما تنفي القليل والكثير ، وليس إذا قلت عندي طعام ، لأنه لا يجب أن يكون عندك جميع الطعام ، فبان الفرق بين النفي والإثبات .
فصل : « ولَه أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ والأَرْضِ طَوْعاً وكَرْهاً وإِلَيْه يُرْجَعُونَ » الاية : 83 .