الملزوم ، فمن أنكر دلالة الألفاظ - مثلا - على ما وضعت له من المعاني فقد أنكر الألفاظ بالذات ، من حيث يريد أو لا يريد ، ولا يجديه أن يعترف بها في حين انه ينكر دلالتها . . وهذا هو الشأن في الجاحد ، فان وجوده دليل وجود الخالق ، ووجود الخالق سبحانه مدلول له ، فإذا أنكر هذا المدلول فقد أنكر الدليل ، وهو الجاحد بالذات من حيث لا يحس ولا يشعر . .
وهكذا يفعل الجهل بصاحبه ، يفصله عن نفسه ، وعن الطبيعة التي يعيشها ويحياها ، ويحمله من حيث لا يشعر على أن يجحد أوضح الواضحات ، ويؤمن بالأساطير والسخافات .
موتتان وحياتان :
المراد بالموتة الأولى المشار إليها ب ( كنتم أمواتا ) المراد بها العدم السابق ، والمراد بالاحياء الأول ( فأحياكم ) الخلق بعد العدم ، والموت الثاني ( ثم يميتكم ) هو الموت المعهود ، والأحياء البعث للحساب والجزاء ( ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .
وتسأل : هل الروح تفارق الجسد بعد نفاد قواه الموجبة للحياة ، بحيث لو بقيت هذه القوى مئات السنين لبقي الإنسان معها حيا ، أو انه من الممكن أن تفارق الروح الجسم ، حتى مع وجود القوى بكاملها ، ودون أن يطرأ أي خلل على الجسم ؟
ذهب الماديون إلى الأول ، وقال غيرهم بالثاني ، أما قوله تعالى : « فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً ولا يَسْتَقْدِمُونَ - الأعراف 33 » ، أما هذه الآية فتحتمل الوجهين ، لأنها لم تبين سبب الأجل : هل هو فساد الجسم ، أو شيء آخر ؟ وأما قوله سبحانه : « الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا - البقرة 243 » . وقوله : « قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ - البقرة 259 » . أما هاتان الآيتان فإنهما قضيتان في واقعتين لا تتعديانهما إلى بقية الوقائع ، كما هو الشأن في القواعد العامة ، والمبادئ الكلية .
ومهما يكن ، فلا شيء لدينا يوجب القطع والجزم ، ولكن الذي نشاهده