المنهج :
المراد بالمنهج هنا اطار من الضوابط العامة يسير المؤلف في ضوئها ولا ينحرف عنها ، وأي عمل لا يقف وراءه منهج فهو عمل عشوائي يسوده الارتجال والتناقضات . . والمنهج الذي اتبعته في هذا التفسير يتألف من الضوابط التالية :
1 - نظرت إلى القرآن على انه في حقيقته وطبيعته كتاب دين وهداية ، وإصلاح وتشريع يهدف قبل كل شيء إلى أن يحيا الناس جميعا حياة تقوم على أسس سليمة يسودها الأمن والعدل ، ويغمرها الخصب والرفاهية ، وأشرت إلى ذلك فيما سبق .
2 - اهتم جماعة من المفسرين القدامى أشد الاهتمام باللغة ، وأطالوا في بيان السر لإعجاز الكلمة والأسلوب ، وافترضوا أسئلة : مثل لما ذا ذكر الواو دون الفاء ، أو الفاء دون الواو ؟ . ولما ذا قال يفسقون ولم يقل يظلمون . . إلى غير ذلك ، وأجابوا عنها بما لا يجدي شيئا ، ولا يدخل تحت ضابط . . ولذا لم أتعرض لشيء من هذا النوع .
وإذا كان لكل تفسير لون يغلب عليه فان اللون الذي يغلب على تفسيري هذا هو عنصر الإقناع ، إقناع القارئ بأن الدين بجميع أصوله وفروعه ، وسائر تعاليمه يستهدف خير الإنسان وكرامته وسعادته ، وان من انحرف عن هذا الهدف فقد انحرف عن حقائق الدين وصراط الحياة القويم . . وكي أصل إلى هذه الغاية حاولت جهدي أن يجيء الشرح سهلا بسيطا واضحا ، يفهمه القارئ في أي مستوى كان .
وإذا اهتم المفسرون القدامى بالتراكيب الفصيحة ، والمعاني البليغة أكثر من اهتمامهم بإقناع القارئ بالقيم الدينية فلأن العصر الذي عاشوا فيه لم يكن عصر التهاون والاستخفاف بالدين وشريعته وقيمه ، كما هو الشأن في هذا العصر ، فكان من الطبيعي أن تكون لغة التفسير أيام زمان غيرها في هذا الزمان .
ان التفسير تماما كالفن ينبع من ظروف محلية . . ومن هنا اتجهت بتفسيري إلى اقناع الجيل بالدين أصولا وفروعا ، وانه يسير مع الحياة جنبا إلى جنب ، ولا يعني هذا اني أغفلت الجهات النافعة التي تعرّض لها المفسرون الكبار . . كلا ، فاني لخصتها وعرضتها بأوضح بيان ، بل وأبديت رأيي فيها ، بخاصة المشكلات