ولحمه ، وهنا يكمن السر في قول الإمام أمير المؤمنين ( ع ) : ذاك القرآن الصامت ، وأنا القرآن الناطق .
وأيضا أيقنت - وأنا ماض في تفسير آي الذكر الحكيم - ان أي مفسر لا يأتي بجديد لم يسبق إليه ، ولو بفكرة واحدة في التفسير كله ، أيقنت ان هذا المفسر لا يملك عقلا واعيا ، وانما يملك عقلا قارئا ، يرتسم فيه ما يقرأه لغيره ، تماما كما ترتسم صورة الشيء في المرآة على ما هو من لون وحجم . .
ذلك ان معاني القرآن عميقة إلى أبعد الحدود ، ولا يبلغ أحد نهايتها مهما بلغت مكانته من العلم والفهم ، وانما يكتشف منها ما تسعفه معارفه ومؤهلاته ، فإذا وقف المفسر السابق عند حد من الحدود ، ثم جاء اللاحق وترسم خطاه لا يتجاوزها ، ولو بخطوة واحدة كان تماما كالأعمى يتوكأ على عكاز ، فإذا فقدها جمد في مكانه .
وقد تحصل لي الكثير من الآراء والمعتقدات غير هذا وذاك خلال التفسير ، وبالأصح إن التفسير صحح الكثير من مفاهيمي السابقة . . من ذلك اني أيقنت - وأنا أتدبر كلمات اللَّه سبحانه - انه لا ايمان بلا تقوى ، وان الجنة حرام الا على من جاهد وضحّى في سبيل الحق ، وان ما من أصل من أصول الإسلام أو فرع من فروعه من الايمان باللَّه إلى أصغر حكم في الشريعة ، كلها دون استثناء إلا وترتبط بالحياة ارتباطا وثيقا وقويا ، كما أيقنت وآمنت بأن أجهل الناس بحقيقة الإسلام ومراميه هم المنتمون إليه ، إلى غير ذلك مما يجده القارئ في مطاوي الصفحات ، وخصصت لكثير منه فقرات مستقلة بعناوين تدل عليها .
وبالتالي ، فاني لا أعرف مهمة أشق وأصعب من مهمة المفسر لكلمات اللَّه . .
انه يتصدى للكشف عن إرادته ، جلت كلمته ، وليس هذا بالشيء اليسير . .
والذي يهون الخطب ان المفسر يعبر عن فهمه وتصوره لمعاني القرآن ومقاصده ، كما هي في ذهنه ، لا كما هي في واقعها ، تماما كالفقيه المجتهد الذي يؤجر ان أصاب ، ويعذر ان أخطأ ، بل ويؤجر أيضا على نيته واجتهاده وعدم تقصيره .
دعوة القرآن :
من تتبع آي الذكر الحكيم ، وتدبر معانيها يجد وراءها مقسما مشتركا ،