ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء ، فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة ، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلّى الله عليه وآله وسلّم فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنّة ؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته ، إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلاّ أنّك لست بنبيّ ، ولكنّك لوزير ، وإنّك لعلى خير . . . » (1) .
وبذلك توفّرت في شخصه - دون غيره - الأعلمية بالكتاب والسنّة ، التي هي من أولى الصفات المؤهّلة للإمامة وقيادة الأمّة بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم .
وتوفّي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وتقمّص الذين كان يلهيم الصفق بالأسواق عن تعلّم القرآن وأحكام الدين - حتى أبسط مسائله اليومية - الخلافة ، وآل أمرها إلى ما آل إليه . . . فقام سيّدنا أمير المؤمنين عليه السّلام مقام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في حفظ الكتاب والسنّة وتعليمهما الناس ، والترغيب فيهما ، والحثّ عليهما . . . فهو من جهة كان يبادر إلى جمع القرآن مضيفاً إليه ما سمعة من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حول آياته من التفسير والتأويل وغير ذلك ، ويدرّس جماعة من أهل بيته وأصحابه ومشاهير الصحابة ممّا وعاه عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من علوم الكتاب والسنّة ، حتى كان من أعلامهم الحسن والحسين عليهما السّلام ، وعبد الله بن العبّاس ، وعبد الله بن مسعود ، وأمثالهم ، وبواسطتهم كان انتشار علم القرآن في العالم الإسلامي .
ومن جهة أخرى يراقب ما يصدر عن الحكّام وغيرهم عن كثب ، كي ينفي