فلمّا التقت فرسانا ورجالهم * دعوا يا لكعب واعتزينا لعامر [1] يعني انتصروا بكعب واستغاثوا بهم .
وشهداء جمع شهيد ، مثل شريك وشركاء وخطيب وخطباء ، والشهيد : يسمّى به الشاهد على الشيء لغيره بما يحقق دعواه ، وقد يسمّى به المشاهد للشيء ، كما يقال : جليس فلان ، يريد به مجالسه ومنادمه ، فعلى هذا تفسير ابن عباس أقوى ، وهو ، أنّ معناه استنصروا أعوانكم على أن يأتوا بمثله ، وشهداءكم الذين يشاهدونكم ويعاونونكم على تكذيب الله ورسوله ، ويظاهرونكم على كفركم ونفاقكم إن كنتم محقين .
وما قاله مجاهد وابن جريج في تأويل ذلك لا وجه له ، لأنّ القوم على ثلاثة أصناف : فبعضهم أهل إيمان صحيح ، وبعضهم أهل كفر صحيح ، وبعضهم أهل نفاق ، فأهل الايمان إذا كانوا مؤمنين بالله ورسوله ، فلا يجوز أن يكونوا شهداء للكفار على ما يدعونه ، وأمّا أهل النفاق والكفر فلا شك أنّهم إذا دعوا إلى تحقيق الباطل وإبطال الحقّ ، سارعوا إليه مع كفرهم وضلالتهم ، فمن أيّ الفريقين كانت تكون شهداء ، لكن يجري ذلك مجرى قوله : * ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) * [2] وقد أجاز قوم هذا الوجه أيضاً قالوا : لأنّ العقلاء لا يجوز أن يحملوا نفوسهم على الشهادة بما يفتضحون به في كلام أنّه مثل القرآن ولا يكون مثله ، كما لا يجوز أن يحملوا نفوسهم على أن يعارضوا ما ليس بمعارض في الحقيقة .