وروي عن ابن مسعود ، وجماعة من الصحابة : أنّ رجلين من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فأصابهما المطر الّذي ذكره الله فيه رعد شديد وصواعق وبرق ، فجعلا كلّما أصابتهما الصواعق ، جعلا أصابعهما في آذانهما من الفرق [1] أن تدخل الصواعق في آذانهما فتقتلهما وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه ، وإذا لم يلمع لم يبصرا ، فأقاما في مكانهما لا يمشيان ، فجعلا يقولان : ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمداً ، فنضع أيدينا في يده .
فأصبحا فأتياه وأسلما ، وحسن إسلامهما فضرب الله شأن هذين المنافقين مثلاً لمنافقي المدينة ؛ وأنّهم إذا حضروا النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، جعلوا أصابعهم فرقاً من كلام النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن ينزل فيهم شيء ، كما قام ذانك المنافقان ، يجعلان أصابعهما في آذانهما .
* ( كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ ) * : يعني إذا كثرت أموالهم ، وأصابوا غنيمة وفتحاً ، مشوا فيه ، وقالوا دين محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صحيح . * ( وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ) * : يعني إذا أهلكت أموالهم ، وولد البنات ، وأصابهم البلاء ، قالوا : هذا من أجل دين محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وارتدوا كما قام ذانك المنافقان إذا أظلم البرق عليهما [2] .
ويقوي عندي ، أنّ هذا مثل آخر ، ضربه الله بالرعد والبرق لما هم فيه من الحيرة والالتباس ، يقول : لا يرجعون إلى الحقّ إلاّ خلساً كما يلمع البرق ، ثم يعودون إلى ضلالهم وأصلهم الّذي هم عليه ثابتون وإليه يرجعون ، والكفر كظلمة الليل والمطر الّذي يعرض في خلالهما البرق لمعاً ، وهم في أثناء ذلك يحذرون الوعيد والعذاب العاجل إن أظهروا الكفر كما يحذرون الصواعق من