ما علمه الله وكتم البيان الذي أخذ الله عليه ميثاقه به ، فقد اشترى بآيات الله ثمنا قليلا . وقوله ( وإياي فاتقون ) الكلام فيه كالكلام في قوله تعالى - وإياي فارهبون - وقد تقدم قريبا . واللبس : الخلط ، يقال لبست عليه الأمر ألبسه : إذا خلطت حقه بباطله وواضحه بمشكله ، قال الله تعالى - وللبسنا عليهم ما يلبسون - قالت الخنساء ترى الجليس يقول الحق تحسبه * رشدا وهيهات فانظر ما به التبسا صدق مقالته واحذر عداوته * والبس عليه أمورا مثل ما لبسا وقال العجاج : لما لبست الحق بالتجني * عتبن فاستبدلن زيدا مني ومنه قول عنترة : وكتيبة لبستها بكتيبة * حتى إذا التبست نفضت لها يدي وقيل : هو مأخوذ من التغطية : أي لا تغطوا الحق بالباطل ، ومنه قول الجعدي :
إذا ما الضجيع ثنى جيدها * تثنت عليه وكانت لباسا وقول الأخطل : وقد لبست لهذا الأمر أعصره * حتى تجلل رأسي الشيب فاشتعلا والأول أولى . والباطل في كلام العرب : الزائل ، ومنه قول لبيد * ألا كل شئ ما خلا الله باطل * وبطل الشئ يبطل بطولا وبطلانا ، وأبطله غيره ويقال ذهب دمه بطلا : أي هدرا ، والباطل : الشيطان ، وسمي الشجاع بطلا لأنه يبطل شجاعة صاحبه ، والمراد به هنا خلاف الحق . والباء في قوله بالباطل يحتمل أن تكون صله وأن تكون للاستعانة ذكر معناه في الكشاف ، ورجح الرازي في تفسيره الثاني . وقوله ( وتكتموا ) يجوز أن يكون داخلا تحت حكم النهي ، أو منصوبا بإضمار أن ، وعلى الأول يكون كل واحد من اللبس والكتم منهيا عنه ، وعلى الثاني يكون المنهي عنه هو الجمع بين الأمرين ، ومن هذا يلوح رجحان دخوله تحت حكم النهي وأن كل واحد منهما لا يجوز فعله على انفراده ، والمراد النهى عن كتم حجج الله التي أوجب عليهم تبليغها وأخذ عليهم بيانها ، ومن فسر اللبس أو الكتمان بشئ معين ، ومعنى خاص فلم يصب إن أراد أن ذلك هو المراد دون غيره ، لا إن أراد أنه مما يصدق عليه . وقوله ( وأنتم تعلمون ) جملة حالية ، وفيه أن كفرهم كفر عناد لا كفر جهل ، وذلك أغلظ للذنب وأوجب للعقوبة ، وهذا التقييد لا يفيد جواز اللبس والكتمان مع الجهل ، لأن الجاهل يجب عليه أن لا يقدم على شئ حتى يعلم بحكمه خصوصا في أمور الدين ، فإن التكلم فيها والتصدي للإصدار والإيراد في أبوابها إنما أذن الله به لمن كان رأسا في العلم فردا في الفهم ، وما للجهال والدخول فيما ليس من شأنهم والقعود في غير مقاعدهم . وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( يا بني إسرائيل ) قال للأحبار من اليهود ( اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) أي بلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجاهم به من فرعون وقومه ( وأوفوا بعهدي ) الذي أخذت في أعناقكم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا جاءكم ( أوف بعهدكم ) أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتباعه بوضع ما كان عليكم من الإصر والأغلال ( وإياي فارهبون ) أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات ( وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ) وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم ( وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاءكم به وأنتم تجدونه عندكم فيما يعلمون من الكتب التي بأيديكم ، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ( أوفوا بعهدي ) يقول : ما أمرتكم به من طاعتي ونهيتكم عنه من معصيتي في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره ( أوف بعهدكم ) يقول : أرض عنكم وأدخلكم الجنة . وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود مثله . وأخرج ابن المنذر عن